لقد كان الخليفة شريف حبيس سجن الساير لأنه كان معارضاً وعلى خلاف مع الخليفة عبدالله الذي كان رئيساً للدولة في عهد المهدية بعد وفاة الإمام المهدي. وعندما جاء كتشنر قائداً للجيش الاستعماري الغازي تسامى الخليفة شريف على جراحاته ونسي وتجاوز مراراته وخلافاته ووضع يده بعد خروجه من السجن في يد خليفة المهدي وحارب معه في كرري مؤتمراً بأمره وهو يحمل راية الأشراف، وكان في موقفه هذا نبلاً وأصالة وغيرة على العقيدة والوطن، أما الخلفية عبدالله فقد استشهد في أم دبيكرات بعد أن صلى ركعتين وجلس على فروته بكل اطمئنان واستقبل زخات الرصاص بكل ثبات ومات كما يموت الأبطال والفرسان الأشاوس. وينبغي أخذ الدروس والعِبَر من تلك المواقف التي امتزجت فيها المبدئية والشجاعة. وأن الوطن الآن في منعطف خطير مماثل إذ أن السهام المسمومة أخذت تنتاشه من كل حدب وصوب بتخطيط وتدبير وتمويل قوى أجنبية معادية تسعى لتمزيقه وتفتيت وحدته وتعمل بكل خبث لفتح عدة جبهات حرب عسكرية واقتصادية ضده، ولذلك فإن وحدة الصف الوطني في هذا المنعرج الخطير تصبح فرض عين. وإن القضايا أصبحت مركبة لأن الوطن يجابه ضغوطاً أجنبية من جهة وصراعاً محموماً على مستوى الجبهة الداخلية من جهة أخرى. وإن الصراع بين النظام الحاكم والمعارضة حول كراسي السلطة والجاه ومن الواضح أنهما لن يصلا لاتفاق إذ أن المعارضة تطالب بإقصاء النظام الحاكم بانتفاضة شعبية وتقترح إقامة نظام انتقالي يماثل النظامين الانتقاليين اللذين أعقبا ثورة أكتوبر عام 1964م وانتفاضة أبريل رجب عام 1985م. والنظام الحاكم يسخر من طرحها هذا ويستخف به لإحساسه بأنه اكتسب شرعية عبر صناديق الانتخابات وهو لا يمانع في إشراك الآخرين معه في السلطة شريطة أن يكون كل منهم رديفاً وضيفاً أليفاً. ولا مناص من الاعتراف بشرعية الأمر الواقع التي أفرزتها وأقرتها نتيجة الانتخابات الماضية التي أجريت في عام2010م ونأمل أن يتم تفعيل المؤسسات القائمة تشريعية كانت أو تنفيذية مع الاستفادة من خبرات العلماء والتكنوقراط من الملتزمين بالبرنامج المعلن. وعلى المعارضة ألا تضيع الوقت «كسور وبواقي» وثرثرة كثيرة كما فعلت في الماضي، وعليها أن تستفيد من التجربة السابقة وتكرِّس جهدها منذ الآن وتستعد للانتخابات القادمة في عام 2015م والتي يأمل الجميع أن تكون حرة نزيهة وأن تكون أجهزة الدولة الرسمية محايدة تماماً أثناء الانتخابات. وإن أخطر من في الساحة جميعاً هم الذين خرجوا من السودان معدمين لا يملك الواحد منهم شروى نقير وعادوا وهم يملكون المليارات التي اغتنوها باسم النضال المفترى عليه، وهذا أمر لايخصنا ولكن الذي يهمنا أنهم وبلا وجه حق أرادوا أن يقتسموا السلطة في الشمال بلا تفويض شعبي ولما لم يجدوا مرامهم ومبتغاهم سعوا لتحويل جنوب النيل الأزرق وجبال النوبة بجنوب كردفان لمحرقة يحترق ويفنى فيها الأبرياء من تلك المناطق بينما يكون مشعلو الفتن بمأمن ومنأى عن مكان الخطر ويوجهون كل جهودهم للتنسيق بين الحركات الدارفورية المتمردة وغيرها من الحركات حاملة السلاح الأخرى وجمعهم فيما يسمى الجبهة الثورية وإيجاد الدعم لها من الخارج. وإن هؤلاء هم خميرة العكننة بين الدولة الأم والدولة الوليدة الجديدة. وإننا نتوق لإيقاف الحرب وطي صفحاتها نهائياً بين جمهورية السودان ودولة الجنوب ويتوق الجميع لإرساء دعائم السلام الدائم بينهما ولكن القوى الأجنبية الخبيثة وأدواتها المرتزقة المأجورة هي التي تشعل نيران الفتن. ونأمل أن تتواصل المفاوضات بروح جديدة وأن تترك الدولة الوليدة الجديدة الابتزاز والتطاول على الدولة الأم ولابد من حسم قضايا النفط والحدود والملفات الأمنية مع إرساء دعائم السلام العادل الذي تحرسه القوة ولابد من اليقظة والحذر وإذا دعا داعي الجهاد فليردد الجميع «إذا لم يكن من الموت بد فمن العار أن تموت جبانا » وعلى الجميع أن يتركوا خلافاتهم ويتخذوا الموقف النبيل الذي اتخذه الخليفة شريف في كرري.