تتوالى الاعتداءات من دولة الجنوب على كثير من المناطق الحدودية، وهاجمت قوات جيش الجنوب مناطق في جنوب دارفور في كفيا كانجي وكفن دبي ومنطقة قرية بالقرب من بحر العرب، وهي مناطق تقع في أقصى جنوب ولاية جنوب دارفور شمال حدود 1/1/1956م، وهي الحد الفاصل بين الشمال والجنوب، وليست مناطق متنازعاً عليها بين الدولتين، وبالرغم من إخراج قوات هذه الدويلة من هجليج ودحر عملائها ومنعهم من الهجوم على بعض المدن في جنوب كردفان وطردهم من النيل الأزرق، إلا أن حكومة دولة الجنوب لا ترعوي وتصرُّ على انتهاج نهج العدوان والمضي في جرِّ السودان نحو حرب مفتوحة لا مصلحة للطرفين فيها. لكن معرفة السبب توضح ما يجري من اعتداءات، فحكومة الجنوب تظن أنه بعد قرار الاتحاد الإفريقي المتحامل والمتحيز، ومشروع القرار الأمريكي المقدم لمجلس الأمن وما فيه من خداع والتباس وتدليس، ستجد ظهيراً لها في المجتمع الدولي والمحيط الإفريقي، خاصة أن هناك تعاطفاً تجده من دول إفريقية تدفعها دفعاً لتبني خيار الحرب، وهناك أكاذيب وادعاءات وضغوط تمارس على جوبا لصناعة حرب جديدة توفر المبرر والدافع لتمرير القرار المخادع في مجلس الأمن الدولي، وتفتح المجال لمجلس الأمن والسلم الإفريقي في تواطئه مع مجلس الأمن الدولي وما يسمى «دول شركاء الإيقاد»، وهي كلها دول غربية، لرفع الحالة لمجلس الأمن الدولي الذي تسعى الولاياتالمتحدة وحلفاؤها داخله للتعامل مع هذه الحالة وفق الفصل السابع والمادة «41» من ميثاق الأممالمتحدة في ذات الفصل، وتوقيع عقوبات على الخرطوم. ومن الواجب الحديث عن أن جوبا وحكومتها هما مخلب القط بالنسبة ليوغندا في حربها ضد جيش الرب الذي يؤرق مضجع كمبالا، وقد تحدث عن هذه المسألة باقان أموم في لندن أول أمس متبنياً وجهة النظر اليوغندية، وتعمل الحركة الشعبية بمعاونة الجيش اليوغندي وقوات أمريكية موجودة في الإستوائية في الجنوب ومناطق غرب بحر الغزال لاحتلال هذه المناطق الثلاث في جنوب دارفور، ظناً منهم أنها المعبر والممر الذي تمر عبره المساعدات والدعم العسكري لجيش الرب من السودان، وهذه خرافة لا حد لها، فلا وجود لجيش الرب في هذه المناطق البعيدة جداً عن يوغندا ومسرح عملياته. ومن العسير هضم مثل هذا الادعاء، والصحيح أن دولة الجنوب ظلت تدعي أن مناطق حفرة النحاس في جنوب دارفور ملك لها، وتضيف أحياناً هذه المناطق لها، مما يشير إلى أن هناك دافعاً مزدوجاً لعملية الهجوم على هذه المناطق الثلاث في آن واحد، وفتح جبهة للحرب فيها لاستنزاف قدرات الدولة السودانية العسكرية وصناعة الحرب المطلوبة للتدخل الخارجي، وصدور القرارات والعقوبات عن مجلس الأمن الدولي والاتحاد الإفريقي الذي صار تابعاً «يبصبص» بذيله وراء مجلس الأمن الدولي. ويبدو أن الحكومة هنا في الخرطوم تتعامل بمهل مع هذه القضايا الخطيرة وتداعياتها وذيولها، ولا تتابع أعمدة الدخان التي تنطلق من عدة جبهات، وأهمها الجبهة السياسية والقانونية التي تقتضي تكامل كل الجهود ودعوة كل أهل الخبرة والشأن، واستعمال جميع الفرص والواجهات والمؤسسات والهيئات الحقوقية والسياسية لفضح المخطط الذي يُحاك ضد البلاد وكشفه وتعرية من يقف وراءه، وتبيان عدم شرعية ومشروعية التدخل في الشأن السوداني من قبل مجلس الأمن الدولي وبعض المنظمات الإقليمية وتحيزها. والواجب يقتضي أيضاً ألا ننتظر الأحداث حتى تأتي إلينا، إذ ينبغي أن نسبق هذه المؤامرة التي لاحت طلائعها ونواجهها في مهدها، ولا يوجد أفضل من مواجهتها، وأن نتسلَّح بوحدة صفنا وتماسكنا الداخلي ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب.. والتهيؤ لكل الاحتمالات، خاصة أن الشعب السوداني كله اليوم على قلب رجل واحد.