الغلاء الفاحش والظروف الاقتصادية الطاحنة والضغوط المعيشية مصطلحات صرنا نرددها تبعًا للسان الحال، وكثيرًا ما نصادف في المركبات العامة نقاشًا وجدلاً ومشكلات تحدث لأتفه الأسباب وغالبًا ما تُختم بعبارة «برانا ما ناقصين»! فالشخص ومنذ خروجه من منزله صباحًا يكون مشحونًا بسبب تلك الأسباب فتراه متجهم الوجه مقطب الجبين، فهل الظروف الاقتصادية والمعيشية هي التي تتحكم في رسم ملامحنا وتتحكم في سلوكنا.. «البيت الكبير» قام باستطلاع حتى نتمكن من نفي أو إثبات ما ذهبنا اليه.. وختمنا استطلاعنا كالعادة بالرأي العلمي من وجهة نظر علم الاجتماع.. تقول الأستاذة آمنة سيد أحمد: كيف لنا الا «نكشّر» ونحن محاطون بكل أنواع الضغوط سواء كانت معيشية أو شعورنا بالعجز تجاه توفير متطلبات ابنائنا وهم ينظرون الينا نظرة المقصّر في واجبه ونحن نعمل بالمثل القائل «العين بصيرة واليد قصيرة» و«غايتو» ربنا يسهل. محمد الماحي عامل يومية بسوق أم درمان تشعر بالرضا باديًا على محياه وهو يتحدث قائلاً: الحمد لله على كل حال، لكن حقيقة الوضع أصبح لا يحتمل وقابل للانفجار في أي ساعة! ولولا حمدنا لله وشكرنا له على جميع نعمه لكنا الآن في «خبر كان».. لكن مع ذلك يصاحبنا في بعض الأحيان ضعف حيال عدم مقدرتنا على توفير أبسط احتياجات أبنائنا وأسرنا فيظهر ذلك على ملامحنا وتعابير وجهنا. الحاجة بتول القاضي كان لها رأيها في ذات الموضوع حيث تناولت أطراف الموضع أثناء حديثي مع الماحي قائلة: من المستحيل «يابتي» أستغل مركبة عامة دون أن تحدث مشكلة بداخلها ولأسباب لا تكاد تذكر لكن الناس أضحت لا تتحمل المزيد فحتى الأبناء بالمنزل لايرضى أحدهم بالتوجيه والكلام المباشر معه بحجة أنه «الفيهو مكفيهو» والفيهو ده أكيد بسبب الوضع الاقتصادي. الحاج الزين سليمان كان له رأي مغاير تمامًا حيث وجدته يهم بدخول المسجد حين أستوقفته وطرحت عليه سؤالي فأجاب قائلاً: إن الرزق بيد الله وحده فإن جعل لك الله رزقًا ولو كان بين فكيّ أسد لتحصلت عليه.. فلم الضجر وإن صبرتم جبرتم وأمر الله نافذ وإذا ما صبرتم كفرتم وأمر الله نافذ، لكن في بعض الأحيان عندما يصل الإنسان بتفكيره لحد معين لا يملك الا أن يستغفر الله خالقه ورازقه. تقول الباحثة الاجتماعية خالدة حسن يس في هذا الصدد: العامل الاقتصادي هو المحور الأساس لبناء المجتمع وترتبط الظواهر السالبة بضعف التنمية الاقتصادية فالإنسان بطبعه يفتقر الى أشياء لايستغني عنها كالغذاء والمأكل والملبس .. إلخ ومن خلال عملي في إحدى الإصلاحيات لاحظت تفشي المخدرات والسُكر بسبب أن الفرد يريد أن يهرب من واقع سيء فليجأ للإدمان بصحبة الشلليات ظنًا منه أنه سيساعده على النسيان، أما من جانب البنات فقد يلجأن للزواج العرفي والممارسات الخاطئة في رحلة البحث عن تحسين الوضع المعيشي، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فمن المؤكد أن الضغوط المعيشية والاقتصادية والمشكلات الأسرية هي المسؤول الأول عن سلوك الفرد فقد نصادف مثلاً في مجتمع العمل فتاة تكون عابسة ومتجهِّمة وبمجرد التحدث معها في أي موضوع تثور لأتفه الأسباب وبالطبع تكون ثورتها وانفعالها نتيجة لضغط معين كعجز من اختارته شريكًا لحياتها عن إكمال مراسم الزواج نتيجة لضيق ذات اليد، وبالمقابل نجد الفتى يكون متضجرًا وحانقًا على نفسه نتيجة لإحساسه بالضعف تجاه ماتربو له نفسه، ونجد أن بعض الناس لا يستحمل «الفلس» وينعكس ذلك على سلوكه، كما أن هنالك بعض الناس يكون متضجرًا وبأئسًا منذ استيقاظه من النوم صباحًا ويرجع ذلك لكونه يكون قد قضى طيلة ليله مفكرًا في المصروفات وبعض المشكلات الأسرية مما ينعكس سلبًا على سلوكه بدءًا من عدم حصوله على حصته كاملة من النوم وختامًا بالمشكلات التي لا يجد لها حلاً، فالشخص عندما يكون مؤمنًا لحياته من ناحية اقتصادية يلازمه شعور بالرضا التام.. ومثل تلك المشكلات تؤثر على الفرد منذ أن يكون في رحم أمه.