ما إن أُعلن عن استئناف المفاوضات بين السودان وجارته الجنوبية، وتحديد بعد غدٍ الثلاثاء ميقاتاً لالتئامها، حتى راجت معلومات وأنباء حول قمة يتم ترقبها بين الرئيس البشير ورئيس دولة الجنوب، وسارعت وزارة الخارجية إلى نفي واستبعاد عقد مثل هذه القمة كما جاء على لسان وكيل الوزارة السفير رحمة الله عثمان، الذي قطع بعدم عقدها ما لم يتم التوصل إلى تفاهم واتفاق حول القضايا محل الخلاف وفي مقدمتها الملف الأمني... وما من شك أن جهات عديدة بدأت تروِّج لمثل هذه الأنباء، واحتمالات عقد قمة بين قيادتي البلدين، في وقت لم تبدأ فيه المفاوضات بعد، التي ربما لا تنطلق بصورتها التي أعدت لها اللجنة الإفريقية رفيعة المستوى بقيادة ثابو مبيكي، ما لم يتم حسم الملف الأمني والبدء في تناوله وإنهائه... وريثما تقوم اللجنة السياسية العسكرية والأمنية التي يرأسها وزير الدفاع بالنظر والتدقيق في تفاصيلها، قبل أن تبحر المفاوضات في الموج المتلاطم من الخلافات.. ولذلك فإن أي قمة بين البشير وسلفا كير، غير واردة، لأن الظروف والأجواء غير مواتية، ولن تُحدث مثل هذه القمة أي تحول وتغيير في مسار العلاقة بين البلدين، إذا لم يتم الوصول لحل نهائي ينزع فتيل الحرب وتستقر الأوضاع ويتحدد مسلك جديد في تعاملات الطرفين خاصة في ما يتعلق بالقضايا ذات الطبيعة الأمنية ومنها إيواء ودعم دولة الجنوب للحركات المسلحة في دارفور، والارتباط المباشر بين حكومة جوبا وفلول الجيش الشعبي في جنوب كردفان والنيل الأزرق.. وتبدو هذه القضايا أكثر تعقيداً بما لا يسمح وجودها بفتح نافذة للقاء البشير وسلفا كير، وأي لقاء بين قيادتين يتم في كنف أوضاع إيجابية وملامح توافُق على تجاوز العقبات، فحتى الآن لا توجد أية مؤشرات تدل على أن علاقة الخرطوموجوبا، بدأت تتحسن أو تسخن الخطوط بينهما.. لا تزال، كما هو شاخص، العدائيات مستمرة، فبالأمس تقدم السودان بشكوى جديدة لمجلس الأمن الدولي حول خروقات جديدة لدولة الجنوب بدخول قواتها أراضي داخل السودان، وتم تسجيل عدة خروقات واعتداءات على الحدود خلال الأيام الثمانية الماضية فيها تجاوز للقرار الأممي «2046»، كما أن توتراً جديداً سينشأ بعد اعتماد مجلس الأمن الدولي خريطة للجنوب قدّمها الوسيط الإفريقي ثابو مبيكي ضمت مناطق أخرى للمناطق الأربع المتنازَع عليها حدودياً بين الدولتين.. ومن غير أدنى تقدير لمسؤولية الحياد والوساطة، تُمعن لجنة أمبيكي الرفيعة المستوى، في التحيُّز نحو دولة الجنوب، وتحاول التلاعب على الخرطوم، والكل يعرف أن قرار مجلس الأمن الدولي، لم يُولد إلا من رحم هذه اللجنة ومن بويضة مجلس الأمن والسلم الإفريقي.. وهذا التحيُّز الواضح لصالح الجنوب من لجنة أمبيكي يجعلنا نوقن أن الاتحاد الإفريقي ولجنته ما عاد هو الوسيط المحايد الموثوق بآلياته التي تعمل على حل الخلاف بين الخرطوموجوبا... وبدأت الثقة تهتز في هذه اللجنة التي يقودها مبيكي التي تماهت في رغبات بعض القوى الدولية الكبرى التي ترعى دولة الجنوب وتسعى لمناصرتها ودعمها وحمايتها ورعايتها كجزء ممن المخطط ضد السودان، وتمثل هذه الدولة التي لم تبلغ العام بعد، منصّة الهجوم وقاعدة انطلاق العداء ضد السودان، ومصدر تهديد أمنه واستقراره.. ونظراً لتراكيب هذه القضايا وتداخلاتها، فمن المستبعَد تماماً، حدوث أي اختراقات جديدة في المرحلة الراهنة، ولن تخرج هذه الجولة بشيء ذي بال، ولن تُعقد قمة للبشير وسلفا إلا في حال حدوث تقدُّم حقيقي والاتفاق والتوافق على تجاوز كل الملفات العالقة واستواء علاقة الجانبين على جودي التصالح والسلام...