ما كان متوقعاً بالطبع أن تسوء العلاقات بين أوغندا ودولة جنوب السودان التي تستفيد من دعم كمبالا في مشروعها التآمري ضد السودان منذ بدايات تمرد الحركة الشعبية بقيادة قرنق وسلفاكير، لكن يبدو أن حكومة جوبا بعد إعلان صداقتها الحميمة مع إسرائيل في إطار علاقة حب من طرف واحد هو طرفها يبدو أنها استغنت عن أي دور يمكن أن تلعبه لصالحها وصالح مخططاتها يوغندا.. وبعد إقامة دولة جنوب السودان، فلا حاجة لها بيوغندا التي هي دولة إفريقية فقيرة، كانت الحركة الشعبية تستفيد من أراضيها أيام التمرد لكن الآن فإن هذه الأراضي اليوغندية تريدها حكومة جوبا نهباً لها، بدلاً من أن ترد الجميل، والحركة الشعبية لا تعرف رد الجميل طبعاً وإلا ما احتلت هجليج السودانية ودمرت فيها جانباً عظيماً من المنشآت النفطية بعد أن استخرجت الخرطوم النفط من الجنوب بكميات تجارية وأنفقت بعد توقف الحرب على المشروعات القومية في الجنوب وآخرها احتفالات الدورة المدرسية التي لم تسمح الحركة الشعبية بإقامتها على أرض الجنوب قبل الانفصال وقد كانت هذه الخطوة منها غشامة شديدة.. المهم في الأمر هو أن يوغندا قد أغلقت الحدود مع دولة جنوب السودان ومنعت من جانبها مرور المواد الغذائية وقررت مصادرة السيارات التي تحمل البضائع الضرورية للمواطنين في جنوب السودان، وهددت باحتجاز السائقين داخل أراضيها. لكن لماذا فعلت يوغندا كل هذا؟! إن حكومة جوبا طرحت خريطة لدولة جنوب السودان تضم عشر مناطق يوغندية على الحدود بين الدولتين.. لكن حتى نكون دقيقين يمكن القول بأنها ضمّت تسع مناطق إذا اعتبرنا ان منطقة قولو أصلاً كانت تتبع للسودان، أي أنها تتبع الآن لدولة جنوب السودان ومعها مثلث أليمي الذي تحتله الآن كينيا وربما فكّرت حكومة جوبا أيضاً في استرداده.. ما دام أنها كفرت بالصداقة مع يوغندا المعتبرة أقرب الدول الإفريقية إليها بعد أن استغنت عنها بإسرائيل والمثل الشعبي يقول «لقى أحبابه ونسى أصحابه».. وحكومة جوبا ها هي تتحالف مع حبيبتها إسرائيل ضد أعداء الكيان الصهيوني في إفريقيا وعلى رأسهم السودان يليه الصومال، وهي في ذات الوقت تنافس كما يبدو يوغندا في التقرّب إلى دولة العدو الصهيوني، فالمصلحة المرحلية التي كانت تجنيها الحركة الشعبية من يوغندا قد انتهت بإقامة دولة الجنوب، لكن مصلحتها من إسرائيل يمكن جنيها في كل المراحل.. هذا هو الفرق بين «الأصحاب والأحباب» حسب منطق المثل الشعبي سابق الذكر.. وليس مستبعداً أن تكون إسرائيل ساعية كعادتها إلى دق إسفين بين الدولتين يوغندا وجنوب السودان لأمر تقتضيه المصلحة الصهيونية في إفريقيا، ويستحيل بالطبع أن تستفيد إسرائيل من هذه القارة إذا كانت تنعم بالأمن والاستقرار والوعي السياسي والاجتماعي وحسن الجوار والتعاون والتضامن من أجل التقدم والازدهار، ففي هذه الحالة لا مجال لتحقيق مصلحة إسرائيلية هنا، فتحقيقها يتطلب العمل ضد مصالح الشعوب الإفريقية مثل إشعال الحروب، وما قامت به حكومة جوبا مؤخراً من تتبيع لمناطق يوغندية «تسع» إلى خارطة جنوب السودان من شأنه أن يشعل حرباً ضروساً بين الدولتين والمستفيد هو الكيان الصهيوني وشركات تجارة الأسلحة التي تنظر إلى عائدات النفط في جنوب السودان. فهي عائدات دولارية لا يستحقها شعب إفريقي كما ترى، وإنما يستحقها شعب إسرائيل الذي ضاق ذرعاً بوجود أبناء جنوب السودان هناك ورفض أن يساكنه وقام بطره بالزجاجات الحارقة واتهم اللاجئين من جنوب السودان بأنهم يتحرّشون جنسياً بالفتيات الإسرائيليات. ودولة جنوب السودان في هذا الوقت حتى ولو حاولت استرداد منطقة قولو تكون مخطئة لأن الوقت غير مناسب بالنسبة لها للقيام بهذه الخطوة بعد أن ورّطت نفسها بإغلاق إنتاج نفطها وقامت باحتلال مدينة في العمق السوداني لا علاقة لها من قريب أو بعيد بما كانت تسمّى قضية الجنوب، ولكنه المناخ العدواني الذي تطلقه الأجندة الأجنبية في إفريقيا المتخلّفة البلهاء «العوقة» حرب في حدود دولة جنوب السودان الجنوبية تضاف إلى حروبها شمال حدودها الشمالية والسؤال ماذا تريد «جنوب السودان» وماذا يريد من يقف وراءها؟