ظروف وتحديات عصيبة تواجه الخطوط الجوية السودانية أثقلت عليها المسير، فما عادت تقوى على التحليق فقد صارت كالنسر الجريح الذي انهد كتفه وتكسرت أجنحته وبقي في السفح.. تلك هي الحالة الوصفية للناقل الوطني الذي بات يسدد يوماً بعد يوم فواتير سياسية وإدارية باهظة التكاليف وعميقة الأثر والتأثير، فمنذ صدور القرارات العقابية ضد سودانير في عام 1996م توالت المحن وتجددت الجراح وتناثرت الأشواك والتضاريس في سكة الناقل الوطني، بقطع الإمدادات الفنية والهندسية والتشغيلية في سياق منظومة الحظر الاقتصادي والدبلوماسي ضد ما سمته أنموذج الإسلام السياسي في السودان، واعتبرت سودانير إحدى أهم أدوات هذا الأنموذج، وهذا لا يعني أن مكونات الازمة التي تعانيها سودانير مستوردة من الخارج، وانما أس الازمة وبلاويها تكمن في مسيرة التخبط الاداري حينا ببيع سودانير أو خصخصتها، وحيناً آخر بإعادتها الى حوش الحكومة الواسع لتكون من ضمن المهملات او الخردة التي يوماً ما يتم التخلص منها عبر اجراس الدلالة، ولهذا فإن الإرادة السودانية تتحمل القدر الأكبر من الأزمة التي يعاني الناقل الوطني قدراً كبيرًا منها.. وتشكلت المسيرة ما بين الإقلاع والهبوط، حيث ظلت إدارتها «تعافر» وتحفر بأظفارها حتى تجد لها حيزاً في سوق النقل الجوي العالمي، لكن الأمر صعب عليها وعزّ عليها المال والاهتمام الحكومي وتلاشى أسطولها وأُلغيت سفرياتها وغابت إرادة الدولة، رغم أن صناعة الطيران أصبحت من الصناعات الكبيرة التي تحتاج لاعتمادات مالية ضخمة، فهي رمز سيادة الدولة السودانية، كما أنها ليست جهازًا حكومياً يتلاعب به السياسيون بالمزاج، او مؤسسة إقطاعية تصفى عبرها الحسابات السياسية والشخصية، ودونكم دول قريبة وشقيقة لا تساوم في ناقلها الوطني ولا تقبل فيه إهانة أو تسفيهاً، كما هو الحال في السعودية ومصر وقطر ودولة الإمارات العربية وسائر دول الخليج، ولكننا في السودان نفعل كل ذلك بل أكثر منه. ولكن الفاشلين الذين أقعدوا ب «سودانير» وأفشلوها يجب أن يحاسبوا وتجرى التحقيقات لكل من طالته شبهة تقصير أو إهمال، ويجب أن توجه الانتقادات للجهات الحكومية التي مارست تقصيرًا واضحاً في حق «سودانير»، فلماذا لا يفتح تحقيق شامل لمعرفة حجم وطبيعة المشكلة والذين تسببوا فيها..؟ وبالأمس قدم وزير الدولة بالنقل فيصل حماد جرعة أخرى من الموجعات في كيان الناقل الوطني بإعفاء المدير العام لسودانير العبيد فضل المولى وتكليف عادل محمد أحمد بدلاً منه.. والعجيب في الأمر أن هذا القرار صدر هكذا دون أية مسوغات أو خلفيات، ولم يشر القرار الى اية امكانية للتحقيق في القضية التي تقف خلف القرار. تساؤلات واستفهامات عديدة كثيرة طرحت ومازالت تطرح حول ما تعيشه الخطوط الجوية السودانية من واقع وتداعيات. ويبدو أن «سودانير» تتكئ الآن على عكازتها وإرثها الخرب وتستجدي الدولة، ولكن الدولة ذاتها منشغلة باقتصادها المأزوم والمهزوم، في الوقت الذي بنى فيه العالم من حولنا مجده وحضارته من أساطيل الطيران الوطني، وأنفق من ميزانياته ما هو كفيل بتلبية صناعة الطيران بوصفه قطاعاً حيوياً واستراتيجياًَ.. صحيح أن الحكومة في آخر قراراتها أعادت «سودانير» إلى «حوش» الدولة الكبير بعد أن توصلت إلى قناعة بأن صفقة عارف رهان خاسر.. وصحيح أيضاً أن الحكومة أخضعت بعض مؤسساتها مثل «الاتصالات» إلى سياسية الخصخصة، وحققت في ذلك نجاحات كبيرة عززت من فكرة الخصخصة، فإذن الدولة لا سبيل أمامها سوى التفكير الجاد وتبني حملة قومية أو خطة إسعافية لإخراج «سودانير» من عنق الزجاجة من خلال استقطاب القروض والدخول في شراكات ذكية مع كبريات الخطوط الجوية العالمية.