التحذير الذي أطلقه حزب المؤتمر الوطني الحاكم على لسان المتحدِّث باسمه البروفيسور بدر الدين أحمد من مخططات خلايا نائمة قد تستهدف شخصيات سياسية قيادية، يمكن أن نضعه إلى جانب خطة «كبش الفداء» في أكتوبر عام 1964م التي راح ضحيتها الطالب بجامعة الخرطوم أحمد القرشي طه وهو داخل غرفته بداخلية البركس، وقد كان مقتله من أجل تحريك الشارع بالعواطف لإسقاط حكومة عبود؛ لأنها طردت المبشرين والجواسيس من جنوب السودان حينما قبضت عليهم وهم يقومون بتحريض المواطنين الجنوبيين على الالتحاق بالتمرد الأوّل لمحاربة حكومة السودان وكان منهم الجاسوس الألماني إنشتايري، قلنا يمكن أن نضع تحذير المؤتمر الوطني من الخلايا النائمة إلى جانب المخطط الكنسي عام 1964م الذي كان ضحيته طالب جامعة الخرطوم الشهير لنعقد مقارنة بين الأمرين.. فالمؤتمر الوطني يشير إلى شخصيات سياسية، وإذا كان يقصد أنهم ينتمون إلى الحكومة أو حزبها الحاكم، فهذا لا يعني أن الهدف من المخطط هو تحريك الشارع؛ لأن الحكومة أو حزبها المؤتمر الوطني «لا داعٍ» يدعوهم إلى الخروج إلى الشارع، ولعل تصريحات المتحدِّث باسم الحزب الحاكم جاءت في مناخ استهداف واغتيال رئيس المجلس التشريعي بجنوب كردفان إبراهيم بلندية ورفاقه لكن قتل الطالب «القرشي» كان لتحريك المعارضة، فكان تفوير الشارع بعد ذلك لصالح عودة المبشرين المحرّضين إلى جنوب السودان لإقناع أبناء الجنوب حينها بالانضمام إلى التمرد الأول بقيادة اللواء جوزيف لاقو. الآن يمكن أن تحمي الدولة الشخصيات السياسية، وهي يمكن أن تحتمي بوعيها وإدراكها من أي مكروه يراد أن يُلمّ بها، لكن تبقى المصيبة في الطلاب، فالخوف كل الخوف من أن يتعرَّض طلابنا وطالباتنا لمثل المخططات التي سقط من قبل ضحية لها الطالب أحمد القرشي وطالبة المرحلة الثانوية بالفاشر قبل سنوات قليلة رشا عبد الله في تظاهرة قادها حزب المؤتمر الشعبي بقيادة حسن الترابي. إن فكرة كبش الفداء في التظاهرات منذ عام 1964م، منذ مقتل القرشي الذي لم يكن مشاركاً في تظاهرة، بل كان حين قتله يخلّل شعره بعد خروجه من «الحمّام».. وكانت الخطة أن يقوم القنّاصة بإطلاق الرصاص عليه «فيرديه» قتيلاً، فتخرج جنازته إلى الشارع ليقال إن الشرطة السودانية التي غنّى لها الشعراء السودانيون هي التي قتلت الطالب أثناء التظاهرات المطالبة برحيل الحكومة العسكرية. لكن اتضح في التحقيق أن السلاح الذي انطلق منه الرصاص على الطالب القرشي لم تكن الشرطة تملك مثله. إنه سلاح الجواسيس الأجانب الذين طردهم إبراهيم عبود من الجنوب حتى لا ينسفوا هناك الأمن والاستقرار. لكنهم نسفوه في داخلية طلاب جامعة الخرطوم «البركس» وهم يقدمون الطالب القرشي كبش فداء من أجل إسقاط عبود ثم عودتهم إلى تضليلهم للجنوبيين.. الآن المعارضة جرّبت كل السبل لتحريك الشارع لكن يبدو أن الأجيال الجديدة مع ارتفاع عدد المساجد بهذا الرقم القياسي قد اكتسبت وعياً كبيراً.. وسلبيات الحكومة يمكن أن تدعو إلى التفكير في تغييرها بالطبع لكن ما معنى أن يكون طريق هذا التغيير على حساب الطلاب الأبرياء وإن لم يشاركوا في التظاهرات مثل الطالب القرشي؟! يغني المغني: «كان القرشي شهيدنا الأول».. نعم هو شهيد بإذن الله ما دام أن القاتل هو الجاسوس الأجنبي أو العميل لصالح الجاسوس الأجنبي، فهي حرب صليبية غير معلنة، والقتلى المسلمون فيها مثل القرشي شهداء.. الآن تريد قوى أجنبية صهيونية وغربية إسقاط النظام في الخرطوم، باستثمار رغبة «المعارضة» في ذلك.. ومن قبل استثمرت القوى الأجنبية رغبة المعارضة عام 1964م إسقاط النظام العسكري بقيادة عبود.. وبعد أن سقط عبود وحكمت هي البلاد ضمن حكومة سر الختم الخليفة وكذلك في ظل الديمقراطية الثانية عاد الحكم العسكري من جديد في 25 مايو 1969م فأين إذن مصلحة القوى المعارضة التي تنازل لها عبود عن السلطة بعد أن سُلِّمت إليه تسليماً بواسطة الحكم الديمقراطي الأوّل؟! إن الحذر واجب ولا بد من أخذ تحذير المؤتمر الوطني في الاعتبار، لكن كذلك الأهم أن يحمي هذا الحزب الحاكم الطلاب حتى لا يكون منهم كبش الفداء لصالح الأجندة الأجنبية.