ليس بعيدًا عن أساليب الشائعة واستخداماتها في الحرب ما جرى ليلة أمس الأول بمدينة الدمازين، ففرار المئات من منازلهم جراء تناقل أوساط المدينة أنباء عودة قوات عقار إلى الداخل وتبادل إطلاق النار بينها وبين القوات المسلحة كان بحسب إفادات مواطنين ومهتمين هو ما عمدت إليه الحركة الشعبية مستفيدة من طلق ناري أُطلق بالخطأ بحسب ما أفاد الناطق الرسمي للقوات المسلحة الصوارمي خالد سعد لتزرع الرعب والفزع والاضطراب بين المواطنين. ويجزم اختصاصي علم النفس د. زهير شاع الدين في حديثه ل «الإنتباهة» أن الشائعات من أخطر وأفتك أساليب الحرب النفسية لأنها تتغلغل بطريقة سحرية وسط الجماهير، ومن الصعب جدًا معرفة مصدرها ولأن ضحاياها يسمعونها من أصدقائهم مما يعطيها صورة الخبر الصادق بل إن ضحاياهم يكونون أحياناً هم مروجوها أنفسهم.. ويقصد بها التأثير على معنويات العدو وتفتيت قواه العامة للوصول به إلى الإرهاب النفسي.. فيما يرى خبراء عسكريون أنها تُستخدم للتمويه والتعمية كستار من الدخان لإخفاء حقيقةٍ ما. فضلاً عن كونها أنباء كاذبة مشكوك في صحتها بغرض إضعاف الروح المعنوية على صعيد الجبهتين العسكرية والمدنية. ويرى الخبير الأمني اللواء «م» حسن بيومي أن الشائعة سلاح خطير خاصة استخدامها في حالة الذروة والتوتر والذي يقوم بها دائمًا يدرك تأثيرها ومدى كارثيتها طبقًا للحرب النفسية وهي نوع من أنواع الحروب عرفها العالم منذ وقت مبكر ويقول بيومي ل «الإنتباهة» إن محاصرة الشائعة في حينها أمر ضروري كأن تأتي بالحقيقة وتكشفها مباشرة عبر أجهزة الإعلام المرئي والمسموع والإشاعة لديها أنواع مختلفة منها السوداء والبيضاء والإشاعة الخبيثة، وما جرى بالنيل الأزرق من زرع الهلع بين المواطنين وبث الرعب يدخل في قائمة الإشاعة السوداء وهو نوع يستغل فيه العدو أخطاء خصمة ليوجه بها إشارات تخدم جبهته ومصالحه.. ماذهب إليه بيومي لا يخرج عما أدلت به نسيبة فاروق القيادية بالوطني بمحلية التضامن غرب النيل الأزرق والتي قالت ل«الإنتباهة» إن الحرب التي تدور بالمنطقة معظمها إعلامية تقوم على الشائعات.. وهو ما جعل الأهالي يغادرون منازلهم وينزحون إلى مناطق أخرى وهو ما ترمي إليه الحركة الشعبية لرسم صورة مفادها أن التشرد والنزوح قد ساد النيل الأزرق ولا مجال للحديث عن وضع أمني واستقرار.. وزادت نسيبة أنهم في المحلية تضرروا من تفاقم الشعائات بين الحين والآخر مما جعل حالة الذعر قائمة بين السكان مما حدا بهم في المحلية إلى تشكيل لجنة أمنية تبث الطمأنينة في نفوس المواطنين. ولعل الإشاعة من خلال تأثيرها الأمني لا تعدو كونها سلوكًا عدوانيًا ضد المجتمع وتعبيرًا عن بعض العقد النفسية المترسبة في العقل الباطن كما يشير علماء النفس، وهذا السلوك العدواني قد ينجم عنه أفعال مباشرة وقد يتحول إلى نوع من الشذوذ في القول والعمل، ولعل أبرز أنواع الشائعات هي ما يتعلّق بأمن الناس لأنه يتركهم في دوامة القلق ويؤثر على مجرى حياتهم وخاصة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني وهو ما عاشته مدينة الدمازين ولا يزال يسيطر على عقول بعض المواطنين فيها. ما يدور بالنيل الأزرق في أدنى احتمالاته السياسية بحسب مهتمين قُصد به توجيه أنظار العالم إلى المنطقة وإدخالها دائرة الحرب والنزاع برغم حالة الاستقرار التي سادتها الفترة الماضية وكانت الأحداث قد ارتبطت فيها بحالة جنوب كردفان والتي هدفت الحركة بها إلى دخول القوات الأممية والمنظمات العالمية ومن ثم تدويل القضية وتشكيل مهددات أمنية بالبلاد.. وما بين استخدام الحرب النفسية والشائعات لترويع المواطن وزجه في معسكرات النزوح من قبل الشعبية وتمسك المواطن بخيار البقاء رغم الأعيرة النارية التي سادت الأجواء يبحث أهل النيل الأزرق عن حقيقة دواعي الحرب التي لم تتوفر أسبابها المنطقية بعد.