حتى كتابة هذه السطور، لم تحسم لقاءات أديس أبابا بين الرئيس البشير ورئيس دولة جنوب السودان، القضايا العالقة بين البلدين، ولم تتضح ملامح الاتفاق المزمع توقيعه خلال هذه الجولة من المفاوضات التي استدعت وتطلّبت ذهاب الرئيس إلى مقر المفاوضات في العاصمة الإثيوبية لتذليل العقبات التي تعترضها. لكن يبدو من واقع الحال، أن قرار ذهاب الرئيس ليبقى أكثر من أربعة أيام هناك ليس قراراً مناسباً على الإطلاق، وبقاؤه ليقود بنفسه مفاوضات جديدة في ظروف معقدة لن يترك للسودان خطاً للرجعة والمراجعة ويكون آخر سقف قد انتهى الركون إليه وذلك للأسباب التالية : أولاً: كان ينبغي أن يتم التحضير الجيد لزيارة الرئيس بقيام وفد المفاوضات بالوصول مع الوفد الجنوبي والوساطة لاتفاق عام وشامل، وقد اكتملت كل جوانبه وتوافقاته ويأتي الرئيس ونظيره الجنوبي للموافقة النهائية وحضور التوقيع الأخير. لكن يبدو أن الوفد المفاوض لم يتوصل لأي اتفاق مع الطرف الآخر وبقيت القضايا تراوح مكانها، ولم تفلح الوساطة الإفريقية برئاسة الرئيس الجنوب إفريقي السابق ثامبو أمبيكي في تقليل مسافات الخلاف وتقريب الشقّة بتقديم مقترحات مقبولة لدى الطرفين في نقاط الخلاف، ولذلك تحوّل السيد رئيس الجمهورية في هذه الزيارة التي كانت ليوم واحد أو يومين على أقصى تقدير، تحول لمفاوض بدأ من الصفر في مناقشة قضايا كان ينبغي حسمها والفراغ منها قبل لقاء الرئيسين.!! ثانياً: هذا العجز في التحضير وتحديد قمة للرئيسين قبل اتضاح ملامح الاتفاق، يطعن في أهلية الوساطة وقدرتها على إدارة دفّة التفاوض، كما يشكك في جدوى التفاوض نفسه إن كانت أطرافه حتى هذه الساعة لم تطوِ أي ملف ولم تتفق على نهاية للخلاف بين البلدين. فوجود الرئيس ووفده الرفيع الكبير الذي معه، وحجم الترقُّب والضغوط وحالة الشد والجذب واحتمالات حدوث تنازلات هنا وهناك، تجعل من العملية برمتها غير ناضجة وتتم على عجل، وقد لا تبشِّر بخير إن وقع اتفاق في هذه الظروف وتمخضاتها. ثالثاً: هناك أثمان باهظة ستُدفع في حال حدوث اتفاق، فالثمن السياسي باهظ جداً إن قدّمت الحكومة تنازلات أكثر في قضية «الميل 14» أو منطقة «أبيي» أو الملف النفطي والملف الأمني، فكلفة أي اتفاق عالية بلا شك، فالوضع الداخلي متجاذب وقلق، والشعب السوداني سئم وقاحة الابتزاز الجنوبي وعدم حياد الوسطاء، وتحيُّز القوى الغربية الموجودة بكثافة في مقر المفاوضات وكلها داعم لدولة الجنوب وضاغط على السودان، فأي اتفاق يكون على حساب السودان لن يقبله الرأي العام ولن ترضى عنه قطاعات الشعب التي ترى أن الأوراق التي كانت في الأيدي منذ نيفاشا لم تلعب بشكل جيد وتتحمل الحكومة هذا الوزر ...! رابعاً: ليس هناك من داعٍ أصلاً أن يذهب الرئيس ليناقش قضايا تفصيلية مثل شكوى شركة سودابت وأصولها المصادرة وتعويضها والمطالبة الجنوبية بسحب شكواها الدولية، أو كيف ينسحب جيش دولة الجنوب من النقطة صفر في منطقة «الميل 14» وترتيبات وجود الرعاة من الشمال ونزع السلاح في هذا الشريط الحدودي وقيام الإدارة الأهلية بواجباتها في هذا الجزء من السودان، لماذا يناقش الرئيس مثل هذه التفاصيل الدقيقة مع سلفا كير؟ فإما أن تحسم في مستوى لمتفاوضين وترفع إلى الرئيسين للمباركة والموافقة أو تعاد لمزيد من الحوار والنقاش بين المتفاوضين. نحن نرى أن مسار القمة بين الرئيسين ولقاءاتهما المتكررة وفتح قضايا التفاوض من جديد، وعدم وجود معالم وملامح بيِّنة وواضحة للحل سواء كان حزمة واحدة أو شذر مذر، كلها مؤشرات تنبئ أن ما هو قادم سيزيد الأمور تعقيداً ولن تحل الخلافات مع دولة الجنوب، وأي خلاف تُقدّم فيه تنازلات غير موضوعية وغير معقولة ومقبولة من الشعب لن تنزع أي فتيل للأزمة وسيتكرر وراءها مزيد من المواجهات والصدام. ---------- الرجاء إرسال التعليقات علي البريد الإلكتروني عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.