كثيرة هي أغنيات الحزن والملام بيد أن أغنية حكاية ملام كانت واحدة من الأغنيات التي ستظل معلماً من معالم لوم النفس والحزن لفقدان عزيز.. تتلخص القصة في مرض والدة الفنان أحمد الجابري مرضاً أقعدها عن الحراك وهو المرض الذي جعل الفنان لا يفارقها ليوم أو ساعات وفي سبيل هذا قرر إلغاء جميع ارتباطاته الفنية والاجتماعية. استمر هذا الحال لشهر كامل والجابري يقوم بدور الابن كأفضل ما يكون دون كلل أو ملل. خاصة وهو الابن الوحيد لها دون شقيقات. كل هذا وأصدقاؤه من الفنانين والموسيقيين حضوراً معه بالمنزل، فمنزله كان من منازل أهل السودان العريق العتيد كرماً وضيافة. ليأتي اليوم المشؤوم وما أشأمه على كل ابن وابنة إذ ألح أصدقاؤه من ساكني ضاحية من ضواحي الخرطوم عليه بضرورة إحياء حفل زواج بتلك الضاحية .. اعتذر الجابري بلطف متعذراً بوضع والدته الصحي فلم تجد اعتذاراته نفعاً أمام إلحاحهم. المهم توكل الجابري على الحي الذي لا يموت فكان تحركه والفرقة الموسيقية نحو تلك الضاحية السكنية لإحياء الحفل.. ولما كان ذاك زمان عدم وجود وسائل اتصال كالتي موجودة الآن فقد تعذر ايصال خبر وفاة والدته التي توفيت. فكان حين عودته ليلاً يمني النفس برؤيتها بعد غيابه عنها لساعات خمس كانت هي الفترة التي توفيت فيها وبدلاً عن ذلك رأي عنقريب الجنازة (متكولاً) على حائط منزله مع وجود جمهرة من الأهل والجيران والأصدقاء والمعارف وهم في انتظاره فكان موقفاً عصيباً بحق .. المهم بقى الجابري لثلاث سنوات في حزن وغياب عن عالم الفرح بسبب والدته حتى أتى الشاعر الرقيق الصادق إلياس إليه بمنزله بحي العرب وهو كعادته يواسي ويذكر بدار البقاء التي هي خير من دار الفناء.. وفي سبيل ذلك أقنعه بتخليد ذكراها بنصٍ غنائي يكون بمثابة الاعتذار لها، وافق الجابري فكانت حكاية ملام (أخُت اللوم على نفسي) وفيها يقول بلهجة المعتذر: حكايتي مع الملام طالت أعيدها وديمة أتأسف فقد محبوب على مكتوب