الإنقاذ في بدايات عهدها كان قادتها يقولون لولا الإنقاذ لوصل سعر صرف الدولار 20 جنيهًا طبعاً بالقديم، وكان نوع من الخرافة حيث كان سعر صرفه أي الدولار 12 جنيهًا «اثنى عشر»، بمعنى أن مستوى الجنيه هبط إلى ال125 وجاءت الإنقاذ حسب تصريحات بعض قادتها لتوقف هذا التدهور المريع وقتها واتخذت من الإجراءات التي تحول دون هذا التدهور إلى درجة إعدام بعض تجار العملة، وهو قتل بغير وجه حق ودماء أصحابه ستلاحق من قتلهم إلى يوم القيامة في الدنيا والآخرة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول «لا يزال المرء في بحبوحة من أمره ما لم يصب دماً حراماً» أو كما جاء في الحديث، وحتى لو قلنا إن قتلهم كان تأويلاً من باب من لا يُدفع شرُّه إلا بقتله قُتل إلا أن السبب الذي تم به القتل وهو الاتجار بالعملة الصعبة أصبح متاحاً بعدها بسنوات قليلة مما يؤكد أن الأمر لم يكن مبدئيًا وإنما هو اتباع الهوى والشبهة، ونحن هنا في هذه الأنفاس لا نريد الحديث عن حادثة قتل أحد بقدر ما نريد أن نسلط الضوء على بعض ممارسات السلطة الاقتصادية لاسيما بعد فقدان بعض مقدر من الثروة النفطية نتيجة انفصال الجنوب عن الشمال وتكوين دولة مستقلة وما ترتب على ذلك من تداعيات تؤثر بالطبع على حياة المواطن العادي في الشمال وعلى مستوى حياته اليومية، والدولة كان بإمكانها اتخاذ تراتيب بُعيد توقيع اتفاقية سلام نيفاشا والتي كان فيها خيار الانفصال أكثر من خيار الوحدة أو كما قال السيد الصادق المهدي إن الاتفاقية جيرت لصالح الانفصال، نعم كان بإمكان الحكومة اتخاذ تدابير اقتصادية بديلة تحسب للانفصال وذهاب جزء مقدر من الثروة النفطية لكن الحكومة لم تفعل وكأنها تعشق الأزمات ولا تطيق حياة بلا أزمة وأنا لست بحاحة أن أذكر الحكومة أو شعب السودان بمساحة الأراضي الشاسعة الصالحة للزراعة.. ولا كمية المياه العذبة التي وهبها الله لهذه البلاد التي لم تستفد منها إلا قليلاً ولكنت قد كتبت من قبل ذلك بأن الزراعة والماشية تعتبر العمود الفقري لاقتصاد السودان وهي بمثابة الفريضة التي لا يجوز بحال من الأحوال التهاون في أدائها بل يعتبر التهاون فيها والتقصير في تنميتها جرمًا «يعاقب عليه في الدنيا والآخرة. ويجب أن يعلم الجميع أن جميع الموارد الاقتصادية والثروات في السودان من نفط وذهب ومعادن أخرى تأتي بعد الزراعة والماشية وتكون بمثابة النوازل التي يدفع بها التقصير في الواجبات. وعندما تأتي التقارير الدولية والمحلية تقول إن نسبة الفقر في السودان تتجاوز 90% بما يعني أننا في كارثة حقيقية إلا أنها غير معلنة. في النظم الاقتصادية الرأسمالية في بلاد الغرب تُفرض الضرائب على أصحاب رؤوس الأموال الطائلة لتقدَّم في شكل خدمات عامة لجميع أفراد الشعب متمثلة في الصحة والتعليم والأمن والكهرباء وغيرها مع أنني أرفض أي نوع من أنواع الاقتصاد الرأسمالي لأن قوامه الربا المحرم والاحتكار الذي ينتج من الشح والندرة التي تقود إلى ارتفاع الأسعار الجنوني الذي ضحاياه أصحاب الدخل المحدود فضلاً عن معدومي الدخل.والإنقاذ فاقت الدول الرأسمالية الغربية إلى درجة الطفيلية الإمبريالية التي تقوم على مص جهود وعرق أفقر خلق الله تعالى، فالضرائب والجبايات تُفرض حتى على مستحق الزكاة دون رحمة ولا شفقة والدولة لا تقدم لمواطنها شيئًا من الخدمات حتى النفايات وتنظيف البلاد من الأوساخ على المواطن، والتعليم على المواطن، والعلاج على المواطن والموية والكهرباء على المواطن، والحكومة كلها على المواطن مع كل الأسف، والحكومة بعد كل هذا الإهمال للشعب وقضاياه تريد منه الطاعة والاحترام والمحافظة على الاستقرار وبعد موجة الغلاء الطاحنة المتعمدة وضيق المعيشة الذي بلغ حداً لا يمكن أن تستمر الحياة معه بأي حال من الأحوال وفي كل ضروريات الحياة من سكر ومن زيوت ومن لحوم ومن خبز ومن دقيق من كل شيء بكل ما تعني هذه الكلمة من عموم جاءت الفكرة الجهنمية بالدعوة إلى مقاطعة اللحوم من باب الغالي متروك فهل الحياة كلها ميسورة وأزمتنا فقط في اللحمة يا بلد المواشي والثروة الحيوانية؟ هل العدس واللوبا متاحة بأسعار زهيدة لتكون بديلاً للحوم؟ وهل قبل دعوة المقاطعة هذه كان الناس يستمتعون بأكل اللحوم؟! يا سادة الناس في بعض المناطق يشترون اللحمة بوزن نصف ربع الكيلو يعني ربع الكيلو إلى نصفين وصنعوا وزنة نصف ربع الكيلو تنازلاً مع حالة المواطن فهل هذا المواطن ما مقاطع اللحمة أو اللحمة هي التي مقاطعة للمواطن. إن دعوة مقاطعة اللحوم المقصود منها تثبيت الوضع المعيشي المزري حتى ينسى الناس معاناتهم الكبرى في باقي احتياجاتهم الضرورية، نحن لا نتحدث عن الفواكه فإن بعض الأسر لا تدخل بيوتهم إلا كل نصف عام نحن نتحدث عن ضروريات الحياة اللبن والسكر والخبز واللحمة والدقيق وباقي الحياة كلها غير متاحة ويجب أن لا ينسى شعبنا معاناته الممتدة بدعوة مقاطعة اللحمة وهي عبارة عن دعوة مقاطعة الحياة، ثم إلى متى نقاطع اللحمة نص ربع الكيلو؟ ثم ماذا بعد المقاطعة؟في الختام أن شعبنا وصل حداً لا يمكن أبداً أن تستمر معه الحياة فإن ثار هذا الشعب فسوف يتجاوز الحكومة والأحزاب.