الغلاء الشامل الذي طال كل ما يتصل بمعاش المواطن له أسباب لا أحد غير الدولة يملك وسائل معالجتها وكبح جماحها فالدولة لها السلطان والقدرة على المعالجة الجذرية فانسحاب الدولة من إدارة الاقتصاد وتركه لدولاب السوق وإغفال مضاعفات سياسة التحرير كل ذلك وراء تفاقم الأسعار وارتفاعها الشامل الرهيب لأن إخضاع السوق لمعادلة العرض والطلب لا بد أن يتوافر له التوازن والتعاون بين دخل الفرد وحاجياته، في هذه الحالة تكون المنافسة تتوقف على جودة المعروض في السلع وتعدد الخيارات أمام المشتري وينبغي أن نفرق بين المشتري والمحتاج، فالمشتري حر والمحتاج مخير فتحرير كل السلع هيأ المواطن ليلعب دور الضحية لأنه في هذه الحالة ليس مختاراً أمام سلع ضرورية للحياة فكل ما يمكنه فعله هو ترشيد استهلاكه واحتياجه إزاء دخله المنخفض حسب السوق. واذا اردنا لحملات المقاطعة مثل حملة مقاطعة اللحوم أن تنجح فلا بد أن توفر الدولة نفسها أسباب النجاح أولاً بإيقاف تصدير اللحوم لأن المصدرين هم القوى الشرائية الأكبر وهم وراء ارتفاع الأسعار هذه في فترة وجيزة فمحاصرة الأسعار لا تتم بالأماني فإيقاف إصدار شهادات الصادر هذا التدبير وحده يمكن أن يخفض الأسعار إلى أدنى مستوى وسيتمنع كل مواطن يأكل «الشية» في وجباته الثلاث ويتبع ذلك تخفيض كبير في الرسوم والضرائب وخاصة الضرائب على القيمة المضافة فما عدا ذلك هو التفاف وإجراء يغني ويمكن لوزير المالية أن يسد العجز في الموازنة بإجبار كبرى الشركات كشركات الاتصال مثلاً والبنوك التجارية على شراء سندات حكومية حتى ولو بالعملة الصعبة ومجمل القول أن الدولة هي صاحبة الدور الرئيسي والمهم في نجاح المقاطعة بتوفير الأسباب الملائمة لتكون لمثل هذه الإجراءات ثمرة كما أن البدائل التي يتحدث عنها الناس كالاعتماد على البقوليات فهي الأخرى أسعارها في العلالي فاللجوء إليها كالاستجارة من الرمضاء بالنار فعلى الدولة أن تُشعر المواطن أنها بجانبه في كفاحه لأنه منفرداً أعجز من أن يؤثر في هذا الشأن لأننا نفهم تماماً أن الأسعار وثيقة الصلة بالسياسة الاقتصادية المطبقة، فالدعوة الجهيرة من حماية المستهلك لمقاطعة اللحوم تهدف لمحاربة جشع التجار فعليها أن تدرك أن هذا الجشع محمي فإن لم يكن الأمر كذلك فلماذا ارتفعت أسعار سلع كالطماطم والخضروات، فالمعروف بداهة أن مدخلات إنتاجها مرتفعة فمن يملك زمام ذلك بالطبع هي، فعليها السعي بصورة جادة للمساهمة في خفض تكاليف المعيشة التي باتت لا تطاق.