يعاني المغتربون كثيرًا ليوفروا العيش الهانئ والمريح لأبنائهم والذي يؤدي إلى الإفراط في التدليل بتوفير كل متطلباتهم مما تظهر نتائجه العكسية في تربية الأبناء لذلك نجد أن أبناء المغتربين يتوجهون إلى عادات خارج أُطر العادات السودانية الجميلة ويتشبعون بثقافات أخرى حسب البلد الذي يعيشون فيه مما يفقد بعضهم شهامة البلد والكرم والضيافة ومساعدة الآخرين فأصبحت القنوات الفضائية والإنترنت حديثهم والموضة واللبس مصدر افتخارهم.. ٭ تحذيرات واضحة ونجد أنه مع تزايد أعداد الخريجين العائدين إلى منزل العائلة فيما بعد تخطي المرحلة الجامعية والتخرّج فإن هذه المرحلة توجب على الآباء أن يدعموهم ولكن ينبغي ألا يفرطوا في تدليلهم حتى لا تصبح خطوة من خطوات الإفراط والتدليل السلبي مما يجعل بعض علماء النفس ينصحون الآباء باتاحة بعض الوقت للخريجين لكي يرتاحوا بعد التخرج على ألا يدعوا الفترة تطول أو أن يجعلوا بيئة المنزل مريحة جدًا بحيث لا يرغب الأبناء في تركها وأنه من الضروري أحيانًا إظهار بعض الحب الخشن.. وعندما وجهت حديثي لعائشة أحمد مغتربة وعادت بصورة نهائية أجابتني بتأييدها لما نحا له علماء النفس بقولها: إذا كنا نجعل الحياة مريحة جدًا في المنزل فلماذا يبحثون عن عمل؟ وإذا مددناهم بالطعام والسكن المجاني والثلاجة الممتلئة ونقوم بغسل الملابس وكيها بالإضافة إلى توفير مصروف شخصي فبالتأكيد ليس هنالك ما يشغل بالهم. ٭ أسباب اقتصادية إضافة إلى ما ذهب إليه علماء النفس والاجتماع نجد أيضًا أن الظروف الاقتصادية التي يمر بها سوق العمل منذ سنوات بسبب الركود الاقتصادي تجعل الخريجين يواجهون أصعب الظروف وتكون الإسقاطات عليهم أشد قسوة مما يحتم على الآباء مقاومة أي محاولة للتذمر الذي قد يجعل الشباب أكثر توترًا ويجعل الإخفاق في العثور على وظيفة أمرًا سيئًا جدًا، ولا يعني هذا رفض أفكارهم وهو ما ذهب إليه العم سليم علي أحمد مغترب بقوله إنه يجب على الآباء ألا يرفضوا الأفكار ولكن عليهم أن يشجعوا أبناءهم على أن يكونوا واقعيين، وأشار إلى أن من الأمور المهمة جداً التي يجب أن يراعيها الوالدان الموازنة في تربية الأبناء بما يحقق الصلاح والتقويم السليم بعيداً عن الإفراط في التدليل وتلبية كافة الطلبات الضرورية منها وغير الضرورية، وفي ذات الوقت عدم إهمال رعايتهم والتكاسل عن تربيتهم أو التأفف منهم وتركهم دون توجيه أو تربية أو تقويم حتى يستشعروا معنى الأمانة والمسؤولية والقيام بها على أكمل وجه.. إذن تصبح الأمور أكثر تعقيدًا كلما تعمقنا في إسقاطات هذه الأشياء السالبة على الأبناء، ولمعرفة الرؤية العلمية النفسية توجهنا بالسؤال مباشرة إلى د. زاهر إبراهيم الباحث في علم الاجتماع النفسي وكان تعليقه بإلقائه الضوء على الأسباب الأساسية التي تفسد سلوك الأبناء في المقام الأول والتي أجملها في التدليل المفرط والمستمر دون ضوابط مما يساهم في إضعاف شخصية الأبناء ويجعل ثقتهم بأنفسهم ضعيفة لاعتمادهم المستمر على الوالدين فيخشون مواجهة الآخرين والتعامل معهم، كما أشار من جهة أخرى إلى أنه أي التدليل يجعلهم لا يتحملون المسؤولية ويصبحون اتكاليين وعدوانيين مع الآخرين ولا يتحكمون في مشاعرهم المختلفة.. كما أوضح أن ترك المال بأيديهم يجعلهم غير حريصين عليه فيصرفون دون اهتمام وعدم معرفة قيمة وأهمية الوقت. ٭ طرق المعالجة وحسب د. زاهر فقد حدد عدة خطوات عملية للموازنة في أسلوب تدليل الأبناء تتمحور في العدالة والمساواة بين جميع الأبناء وعدم تفضيل أحد على الآخر، أيضًا تدليل الأطفال بانضباط إلى سن معينة وليس كل ما يريده الأبناء يُلبى، بل نعلمهم بتلبية الأمور الضرورية، وضرورة توجيه الأبناء وتعليمهم المحافظة على الأوقات والأموال والممتلكات والتعويد على ضبط مشاعرهم منذ الصغر، والقيام ببعض المسؤوليات التي تنمي الثقة في نفوسهم وتعززها لديهم، كما أكد د. زاهر ضرورة معالجة السلوكيات الخاطئة أول بأول حتى لا تتأصّل ويصبح من الصعب تغييرها بسهولة، ويجب أن تُعالج وفق برنامج تربوي مدروس دون قسوة أو عقوبة شديدة حتى لا يخسروا أبناءهم.. بتكامل هذه الرؤى العلمية والمعايشة الواقعية لسلبيات الإفراط في تدليل الأبناء وحتى يتحقق التوازن في تربيتهم دون إفراط فهم زينة الحياة الدنيا ويجب الحفاظ عليهم ورعايتهم حق الرعاية بأداء الأمانة كاملة حتى لا يضيعوا من الأيدي.