كما ذكرنا في المقال السابق عن الخطة لربط السودان بغرب إفريقيا الإنجليزية والفرنسية، حيث أرسل الجنرال ديجول بعثة من المهندسين الفرنسيين لربط الأبيض بدول إفريقيا الفرنسية، فقد كانت الخرطوم عموماً ملتقى لكثير من الممرات الجوية التي تربط شرق العالم بغربه وشماله بجنوبه من الصين حتى أوربا والولايات المتحدةالأمريكية، ومن إيران وروسيا الى جنوب إفريقيا وأستراليا، وأصبحت الخرطوم كما وصفها السير دوقلاس نيوبولد في مراسلاته آنفة الذكر في صفحة «91» لقد أخبرتكما بأننا أصبحنا مثل كالابهام جنفشن Clapham Junction حي بجنوبلندن تتقاطع فيه خطوط السكك الحديدية من الجنوب والشرق والشمال بالنسبة لخطوط الطيران العابرة شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً من الكنغو وفرنسا الإستوائية، ورأس الرجاء الصالح، والهند وروسيا والصين وإيران وخلافها، الدبلوماسيون وكبار الضباط والقادة الجدد يعبرون من شنقكنج الى واشنطن ومن موسكو الى لندن ومن لاغوس الى القاهرة ومنها الى طهران وبغداد ودمشق وليوبولدفيل وديربان ودلهي- الجنسيات الوحيدة نحن لم نشاهدها هي الإسكيمو وسكان التبت. وقد ذكر أنه قد هبطت في مطار وادي حلفا في يوليو 1942 ( 400) طائرة أي ( 800) حالة إقلاع وهبوط. لقد كانت الحركة الجوية نشطة جداً، وهذا أمر طبيعي في حالات الحروب، ولكنه يترك أيضاً آثاراً إيجابية عند عودة السلام وحين تضع الحرب أوزارها. لقد كانت حركة شركة الخطوط البريطانية والبان أمريكان وغيرها نشطة جداً، وانضمت إليها لاحقاً الخطوط الجوية السودانية والى نشأة أصلاً كمصلحة داخل السكة الحديد. واستمرت في التطور حتى بداية ومنتصف وأواخر تسعينات القرن العشرين، ثم بدأت في الانحسار حتى كادت تصبح خطاً داخلياً وإقليمياً محدوداً، بعد أن كان لها انتشار عالمي. وقبل ذلك تم إنشاء مصلحة الطيران المدني وتطوره حتى اليوم عندما تم تقنين فصل الجسم الرقابي والتنظيمي عن الأقسام التشغيلية. وقد دار في الآونة الأخيرة لغط كثيف حول مصير الناقل الوطني سودانير، تخصخص أم لا، تخصخص جزئياً أم كلياً، أم يتم التخلص منها نهائياً، أو يتم تأهليها. وأغلب النقاش فيها يدور إما على استحياء من من يعملون أو بشراهة من من لا يعملون أو أصحاب الأغراض. وهل أكثر الأشياء إثارة للجدل واللغط ماذا تم لخط هيثرو الذي يحيطه الغموض بلا سبب وجيه أو مسوق، السؤال ماذا حصل لحقوق النقل الأخرى، ومن ضمنها خط هيثرو وباريس وروما وأثينا وأمستردام وجوهانسبرج ونيروبي وخطوط آسيا وبقية أوربا وإفريقيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا والصين والهند. وكنت قد كتبت بصفتي وكيلاً لوزارة الطيران نوفمبر 2004 مذكرة ضافية حول تطوير الشركة واستغلال هذه الحقوق وتوسيعها بطرق عديدة للمحافظة عليها وإنعاشها والاستفادة منها وفي1999- 2000، حينما كنت رئيساً للجنة التسويق بمجلس الإدارة والدكتور الفاتح محمد علي مديراً عاماً لسودانير حينها تملك 14 طائرة، ويتحدث كثير من الناس عن أسعار تذاكر الطيران المبالغ فيها يبحثون عن تذاكر أرخص خاصة الإخوة الأفاضل من نواب دارفور، والواقع في العالم أنه بدون ناقل وطني قوي وقادر يصعب جداً تنشيط الحركة الجوية ورفع الكفاءة وبأسعار مناسبة، ولابد أن يكون رأي الدولة واضحاً في مساندة ودعم الناقل الوطني وفائدة البلد عموماً وخفض العجز التجاري بالعملات الصعبة التي تأخذها شركات النقل الأجنبية نتيجة لعدم مقدرة الناقل الوطني من الاستفادة من حقوق النقل المتبادلة، بدل هذا الموقف المتأرجح الذي يسعى لتفادي الإجابة عن الأسئلة أكثر من مجابهة الواقع وهذا الموقف المتأرجح ومجالس الإدارات التي تجئ وتذهب بدون مسئوليات بدون ممارسة وسلطات وتحمل مسئوليات، حقيقة لا يفيد كثيراً بل أضر ويضر سودانير وغيرها من المؤسسات في مجال الطيران المدني أو النقل أو الزراعة أو الصناعة وغيرها، ونرجو أن نفرد لهذا الموضوع حيزاً من الطرح والنقاش قريباً إن شاء الله. أزمة المواصلات: وما دمنا في مجال النقل والمواصلات عموماً، فلا بأس من التطرق لمشاكل الموصلات الماثلة الآن بخاصة مشاكل المواصلات الحضرية في ولاية الخرطوم التي تفاقمت. حديثنا إن أزمة المواصلات المزمنة والمتكررة في العاصمة القومية ليست بالشئ الطارئ حتى نحمل حكومة د. عبد الرحمن الخضر مسئولتها وحده وإن كان من المستحيل تبرئته من ذلك، وهو قد تحمل المسئولية وزملاؤه وهم يدركون الهموم الكبيرة التي تحيط بعاصمة حضرية فوارة موارة مضطربة جاذبة، وكل ذلك يزداد يوماً بعد يوم. إن أزمة المواصلات في العاصمة أزمة هيكلية وليست طارئة فقط، فأن تم حل التكدس اليوم بأية وسيلة طارئة أو مستحدثة، فستعود غداً أو بعد غد بأعقد وأسوأ مما كانت عليه. والمشكلة الحقيقية هي في نمط الإدارة الحضرية المتبع عندنا، هل تدار الخدمات الحضرية مثل الخدمات الريفية، وهل يتم التخطيط لها بالمثل، وهل الموارد هي الموارد الكافية لذلك أم لا؟ وقد حاولنا في جامعة الخرطوم في إيجاد بعض المعالجات لهذا من خلال معهد التخطيط الحضري بالجامعة، وتم وضع منهج متكامل للإدارة الحضرية من كل جوانبها والاستفادة من تجارب العالم الآخر، وعندما أوشكت على الاكتمال والاعتماد من كل التخصصات الهندسية والإدارية والبيئية والمالية، إذا بأحد العباقرة يلغي المعهد المعني جملة واحدة. الاختلالات الهيكلية لا تعالج بالحلول الجزئية المؤقتة وإن كانت تساعد في فك الاختناقات الطارئة إلا أنه لا بد مع ذلك وبحزم وعزم وقوة وإرادة من التفكير في الحلول النظامية الشاملة INTEGRATED SYSTEMS SOLUTIONS التي تشمل تخطيط وإدماج كل وسائط النقل الممكنة MULTI MODAL TRNSPORT SYSTEMS والذي تكون وسيلته الربط الشبكي لكل الوسائط السككية والنهرية والأرضية فوقها وتحتها، والأهم أن يكون الهدف واضحاً، أين مناطق التكدس ومتى وكيف نفك الاختناق والهدف الأساسي هو المواطن وسهولة ويسر تنقله بضبط في الوقت ووفرة في الجهد والمال. وهذا لا يتأتى إلا بوضع نمذجة لانتقال المواطن من مكان إلى آخر في وقت محدد مثلاً، كم يستغرق الزمن القياسي لوصول المواطن من الكلاكلة اللفة الى وسط الخرطوم وكم يستغرق فعلياً الآن، وكيف نصل لتلك الغاية وفي كم من الزمن، وكم من الجهد والنفقة والتنظيم وبأي تنظيم. ويجب أن تتحمل الدولة وليس الولاية فقط هذا العبء لأن جزءاً كبيراً من الاختناق سببه وجود الحكومة الاتحادية والمؤسسات والهيئات، وما يستتبع ذلك وليس الولاية فقط. أما القطاع الخاص وهو يعني أصحاب الحافلات والأمجاد والهايسات وغيرها، فيمكن أن يسهموا ولكنهم لن يجودوا، والحلول التي تمت سابقاً مثل خفض الجمارك وتوفير الإسبيرات وغيرها فلم ينتج عنها غير ضياع موارد مهمة للدولة، كان يمكن أن تعالج بها كثيراً من المشاكل ومزيداً من التكدس، وانظروا للعالم حولكم.