في قاعة اتحاد الصحافيين السودانيين بمقرن النيلين بالخرطوم، قال القائم بالأعمال الأمريكي في السودان جوزيف إستنافورد إن الإدارة الأمريكية ليس لديها أي اتجاه لتدخل عسكري في السودان لإسقاط النظام الحاكم، ولا تقسيم السودان إلى دويلات. وإذا كان هذا هو حديث السفارة الأمريكية في الخرطوم، فهناك أحاديث الكونغرس الأمريكي في واشنطن، وبداخل هذا الكونغرس اللوبي اليهودي الذي يجد التأييد من اللوبي الزنجي، ومعلوم بالمقارنة أيهما أقوى تأثيراً هل السفارة الأمريكية أم الكونغرس؟! ثم إن هناك في نيويورك مقر الأممالمتحدة التي يمكن أن تتخفَّى من ورائها الإدارة الأمريكية وتتحرك لخطوات عدوانية باسمها. ولكن السؤال هو إذا لم يكن هناك سؤال مطروح على السفير الأمريكي في قاعة اتحاد الصحافيين ليجيب عليه بمجرد النفي فقط دون أن يشرح لماذا هذا النفي، السؤال هو لماذا أصلاً هذا النفي؟!.. لماذا تتحدَّث واشنطن بأحد ألسنتها عن أنها لا ترغب في إسقاط الحكم في السودان ولا في تقسيم السودان إلى دويلات؟! ليس هناك ما يبرر الحديث أو ما يستدعي هذا «النفي»، اللهم إلا إذا كان هو الآن رداً على التقرير الذي رفعته لبعض المسؤولين البريطانيين أخيراً السيدة مريم الصادق المهدي حول عجز المعارضة السودانية عن إسقاط الحكومة السودانية. وإذا تحدَّثنا عن ضرورة إسقاط الحكومة قبل عام 2005م لأنها ليست منتخبة على الطريقة الأمريكية، فإن واشنطن تبقى على صداقات قوية مع دول لا علاقة لها بالديمقراطية الأمريكية من قريب أو من بعيد، وإذا قلنا إن ضرورة إسقاط الحكومة في الخرطوم هي أنها استبدلت بعض القوانين الوضعية ببعض القوانين الإسلامية، فإن ثقافة وعادات وتقاليد المجتمع السوداني ليست كمثل ما في المجتمع الأمريكي أو غيره من كثير من المجتمعات، والقوانين الوضعية كانت تفرضها أقلية على أغلبية لا تطيقها إطلاقاً، فهل هذا سلوك ديمقراطي؟! أما بعد عام 2005م فإن المطلوب من واشنطن هو أن تفي بوعودها التي قطعتها مع الحكومة السودانية إن هي توصلت إلى اتفاق مع حركة جون قرنق، وبالفعل وقعت الحكومة والحركة اتفاقية «نيفاشا»، فلم تف واشنطن بما وعدت به، ولم تكسب الحكومة السودانية من الاتفاقية «المفخخة» شيئاً، بل كان الخسران المبين. إن المطلوب منها هو الإيفاء بالوعود وليس الحديث عن عدم إسقاط النظام وعن عدم تقسيم السودان إلى دويلات، فهي إن كانت تريد هذا وتسعى له فلا يمكن أن تتعامل بالشفافية والوضوح في هذا الأمر وداخل قاعة اتحاد الصحافيين السودانيين بالخرطوم.. إذن الإجابة والحديث ساذجان. إن اكتشاف نيات واشنطن في مثل هذه الأمور من خلال الاستنتاجات وليس من خلال التصريحات الأمريكية في الخرطوم. إننا عهدنا المبعوثين الأمريكان تتدفق من بين شفاههم الكلمات الدبلوماسية الرائعة، وبعد أن ينهوا مهماتهم ويعودوا إلى واشنطن تتغير تلك الكلمات الروائع وعلى هذا قس. وفي إبريل عام 2010م أجريت انتخابات في السودان تنفيذاً لفقرة جاء في اتفاقية السلام الشامل «اتفاقية نيفاشا»، وكانت الانتخابات تحت الرقابة الدولية أقصد هنا انتخابات شمال السودان قبل انفصال الجنوب فهل انفصال الجنوب يعني إلغاء الديمقراطية في السودان ليكون النظام الحاكم مستحقاً الإسقاط مثلاً؟! هذا السؤال مطروح على مريم الصادق المهدي. أما السفير الأمريكي فكان ينبغي أن يتساءل لماذا يكون الحديث أصلاً عن إسقاط حكومة الخرطوم؟ هل يظن السفير الأمريكي أنه «مندوب سامي»، ويرى أن من اللياقة إن يتحدَّث عن إسقاط الحكم أو تقسيم البلاد؟! إن البلاد في غنى عن أن تستمع للسفير الأمريكي حول مستقبل علاقاتها ببلاده في ولاية أوباما الثانية.. إن واشنطن هي واشنطن في كل مرحلة.