حلت امس «الجمعة» الذكرى الثانية لثورة الشعب المصري، التي تشكِّل سابقة في التاريخ المصري المعاصر، فيوم «25» يناير «2011» سيبقى موشومًا في الذاكرة الجماعية لهذا الشعب، لأنه لأول مرة ينزل إلى الشارع في القاهرة والإسكندرية والسويس والإسماعيلية وطنطا وغيرها، من أجل المطالبة بالثورة على النظام السياسي لحسني مبارك. ويمكن اعتبار الحراك الاحتجاجي في مصر نقطة تحول عميقة، أثبت أن الشعب المصري وصل إلى درجة من الاحتقان والغضب من جراء فشل السياسة الاقتصادية وتغييبه على مستوى القرار السياسي، من خلال تزوير الانتخابات والفساد السياسي والاقتصادي، وانفراد الحزب الحاكم بالسلطة، واتجاه حسني مبارك الذي حكم مصر لمدة ثلاثين سنة إلى توريث ابنه جمال السلطة والحكم. لقد ساهمت حالة الاحتقان في مصر في إدراك الشعب تخلفه عن التفاعل مع مفهوم المجتمع السياسي وتغييب دوره في بناء المؤسسات الديموقراطية. فالإعلام الرسمي المصري أوحى للمواطنين أن النظام السياسي للرئيس حسني مبارك هو القدر المحتوم، بالرغم من أنه كان يقوم على قانون الطوارئ والحزب الوحيد الحاكم والتضييق على الأحزاب الأخرى مثل الوفد والكرامة والعمل الإسلامي وحركة كفاية، والزج بأعضاء جماعة الإخوان المسلمين والمعارضين السياسيين في السجن، مثل أيمن نور الذي خاض الانتخابات الرئاسية لعام «2005» الذي تمت متابعته وإدانته بخمس سنوات سجنًا ومنعه من تولي أي منصب سياسي بعد ذلك، بتهمة تقديم وثائق مزورة لتأسيس حزب الغد. ولم يكن للشعب المصري أي خيار آخر غير رفض الاستسلام والثورة على الواقع المرير، لدرجة أن لا أحد كان يتوقع أن الشعب المصري سيتفاعل مع ما يجري في محيطه وخصوصًا مع ثورة الياسمين التونسية. وهو ما تأكد بمحاولات نظام حسني مبارك القضاء على الثورة الشعبية في مصر في بدايتها، أولاً بقطع الاتصالات بالهاتف النقال والإنترنت ووقف شبكة النقل عبر القطارات، وثانيًا باستعمال العنف والقنابل المسيلة للدموع لاحتواء الوضع وتوظيف الأمن السري والبلطجية ومعتقلي الحق العام لمهاجمة ونهب الممتلكات العمومية والمتحف الوطني المصري، ومحاصرة الغضب الشعبي بحظر التجول وخلق فراغ أمني ونشر أجواء من الفزع والخوف والسرقة لترويع المواطنين بعد اختفاء قوات الأمن من أمام البنوك والبنايات المهمة والشوارع الرئيسية. وبعد ذلك، قام النظام المصري بتجييش الأمن السري للهجوم العنيف على المتظاهرين في ميدان التحرير يوم (2) فبراير (2011) باستعمال قنابل مولوتوف والجمال والخيول، لتفريق المعارضين للنظام السياسي في المسيرة المليونية، إن الثورة المصرية رفعت شعارات جديدة في العالم العربي، أعادت الاعتبار للشعب وابتعدت عن خطابات الانقلابات العسكرية، وطالبت برحيل رموز الفساد ومناهضة الإفلات من العقاب وإلغاء قانون الطوارئ، ويمكن الوقوف عند مجموعة من الإشارات القوية في ثورة اعتصام الشباب المصري في ميدان التحرير، خاصة وأن جميع المحللين السياسيين راهنوا على أن الولاياتالمتحدة لن تتنازل عن الحليف حسني مبارك حارس قناة السويس الذي لعب دورًا مهمًا في التقارب العربي الإسرائيلي وفي تطبيق اتفاقيات السلام في منطقة الشرق الأوسط، فجاء خطاب باراك أوباما بمفهوم جديد يتجلى في كون الولاياتالمتحدة تتعامل مع دول العالم العربي من منطلق الشرعية السياسية التي تستمدها من شعوبها، حتى استلام مبارك واستلم المجلس العسكري مكانه، حتى جاءت الانتخابات بالرئيس الحالي محمد مرسي الذي ظل يحافظ على أهداف ثورة (25) يناير، رغم الانتقادات الواسعة التي وجهت إليه من القوى السياسية المعارضة، لكن المحصلة أن الشعب المصري اختار مرسي وخلع مبارك وأقام الثورة التي أزاحت الفرعون.