في كل الدنيا تبرهن السياسة أنَّها أم المتغيِّرات وأنَّها منشط للسهل وكل المستحيل وليس بعض المستحيل كما تروِّج بعض الشركات والمعامل لمنتوجاتها، فحينما تقوم دولة ما بلعب موقفين الأول يدعم محاولات لإنهاء أزمة ما والثاني يشجِّع علنًا إذكاء نار الفتنة والصراع والتصدُّع المجتمعي والسياسي والاقتصادي لنفس الجهة هذا ما يبرهن أنها أم المتغيِّرات. فالولاياتالمتحدة ورغم أنها تدعم الجهود التي تبذلها الآلية الإفريقية لإنهاء الأزمة الناشبة بين السودان ودولة جنوب السودان فيما يُعرف بالقضايا الخلافيَّة عن طريق منبر أديس أبابا والذي ظل يستمر لأكثر من عامين قامت أمريكا أمس بتوجيه دعوة لأحزاب المعارضة والجبهة الثوريَّة والحركات المسلَّحة بضرورة القدوم إلى أراضيها وذلك لعقد قمة بينها وبرعايتها هي لإسقاط النظام، في الوقت الذي تقوم فيه بتحفيز الحكومة للدخول لمفاوضات أديس لإكمال التفاهمات مع دولة الجنوب ووضع حد للأزمة المشتعلة بين البلدين، ونشرت صحف الخرطوم أمس دعوة الحكومة الأمريكيَّة لاستضافة مؤتمر ضد السودان بمشاركة قادة الجبهة الثورية. وتفيد المتابعات أن حركات الجبهة الثوريَّة الأربع تلقَّت الدعوة لحضور مؤتمر بأمريكا تحت اسم قمَّة الأعمال السودانيَّة الطارئة وذلك قبل ائتلاف يضم «68» منظَّمة طوعيَّة أمريكيَّة، الغالبيَّة العظمى منها منظَّمات يهوديَّة وحدَّدت أمريكا موعد انعقاد القمَّة كما حدَّدت «معازيمها» وهم رؤساء الحركات المسلحة الأربعة: مناوي وعقار وعبد الواحد وجبريل إبراهيم، إضافة لأربعة قيادات من كل حركة، ولكن يشير الخبر الذي نشرته «الانتباهة» أن الترتيب للمؤتمر جاء بناءً على اتصالات قام بها القيادي بقطاع الشمال ياسر عرمان استطاع خلالها جمع التمويل اللازم الذي يقف خلفه اللوبي الصهيوني، وتحتوي جلسات المؤتمر على أوراق وأجندة أبرزها ورقة حول المسؤولية عند انهيار الدولة ويُقصد هنا «السودان»، وورقة حول اعتقال المشير البشير، وورقة حول الدروس المستفادة من السياسات الخارجية لحكومة السودان خلال العشر سنوات الماضية، وورقة آراء الخبراء حول التدخُّل في السودان لوقف أعمال التطهير العرقي، بجانب ورقة حول الأوضاع الإنسانية بالسُّودان وبرأس جلستها لويس مورينيو أوكامبو. وقد قال الإمام الصادق المهدي زعيم حزب الأمة في تصريحات له إن الجبهة الثوريَّة تبنَّت برنامجاً غير قومي بارتهانها للأيدي الخارجيَّة والدول ذات الأجندة الخاصة. وهذا ما ظهر في ارتهانها للولايات الأمريكيَّة بأن جعلت مِقود زمامها في يد الأخيرة لتأمرها بما تشاء وتفعل بها كيف تشاء، فيما قال المؤتمر الوطني إنَّ هذه التحركات التي تقوم بها الولاياتالمتحدة الغرض منها السعي لتفتيت الداخل السوداني بغية تحقيق أهدافها ومصالحها، وأكد قطبي المهدي في تصريحات له أن المجموعات المتمردة هذه بمساعدة دول ذات هيمنة «أمريكا» تسعى لتخريب أوضاع السودان الداخليَّة السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والأمنيَّة بجانب تشويه صورة السودان أمام الأسرة الدولية من خلال تلفيق الحقائق في الموضوعات الإنسانية وأوضاع السودان الاقتصاديَّة بجانب تحريض الدول الغربيَّة لتقديم الدعم العسكري للحركات المسلحة والجبهة الثورية بهدف إسقاط النظام. ويقول الخبير الإستراتيجي والمحلل العسكري اللواء محمد الأمين العبَّاس ل«الإنتباهة» إن هذا الأمر ليس من الحالات الشاذة التي تقوم بها الولاياتالمتحدة الأمريكيَّة بدعم المجموعات الخارجة عن القانون وتقديم الدعوة لها لأجل تنسيق أعمالها بحكم أنَّ الدولة التي يقيمون فيها بها اختلال واضح في حقوق الإنسان وعدم الديمقراطيَّة بجانب أنَّ النظام السياسي فيها مهترئ، ويضيف ود العباس أن تأييد أمريكا لهذه الحركات يمثل دعمًا قويًا لتلك المجموعات بكسب المال وجمع السلاح، مؤكِّدًا أن هذا يمثل مرحلة جديدة من التطور للجبهة الثوريَّة بالمساعدة الماليَّة والتزويد بالسلاح، ولكنه قال إن السودان يحتاج إلى حراك كبير وألا يمتثل للأمر الواقع ويجعل هذا الأمر يمر دون حساب أو وقفة استنكار وشجب واسعة من خلال تعريفه للمجتمع الدولي بأبعاد هذا التداعي، داعيًا إلى ضرورة الاهتمام بوجود إدارة للأزمات بجانب ضرورة مخاطبة الحكومة الأمريكيَّة ودعوتها لإيقاف ما تقوم به من محاولات تستهدف النسيج السوداني، وقال إن هذه الدعوة إذا ما نُفِّذت فإنها ستنقل العمل المسلح نقلة كبيرة وذلك لأن أمريكا اليوم أصبحت تخاف من الحركات الإسلامية المسلحة، ويظهر ذلك من وقوفها مع الجماعات العلمانية المسلحة في كل الدول التي تدخَّلت فيها مثل ليبيا مما يجعل الصراع أكثر تعقيداً يصعب الوصول معه إلى حلول سلمية. ويضيف الخبير الأمني العميد الأمين محمد الحسن أن الولاياتالمتحدة ظلت تلعب أدواراً واضحة تظهر من خلالها بخبث الأجندة الخفيَّة التي تسعى إلى تحقيقها في السودان أو عن طريقه، ويضيف أنَّه طوال حرب الحكومة مع الجماعات المسلحة لم تعلن أمريكا موقفاً مساعدًا أو داعمًا لحكومة السودان بل إنها ظلت تدفع باستمرار الجماعات والمليشيات المسلحة التي ترفع دومًا السلاح في وجه الحكومة، مؤكداً أنَّ هذه المواقف لن تتغير إطلاقًا طالما أن الولايات يتحكَّم بها اليهود كما يشاءون، ودعا الحكومة إلى اتخاذ من الخطوات ما يُجهض هذه التحركات المضادة التي تقوم بها الولاياتالمتحدة وإيجاد حلفاء أكثر قوة لدعم موقفها الخارجي.