مُرافقةُ المَريض من أزكى الأعمالِ عند اللهِ تعالى وأحَبِّها إليه واعلاها شرفًا وأكرَمَها مُروءةً فمِنَ الإحسانِ القيامِ على حوائِجِ وشُؤونِ المريض والسهر على راحته تجده يجلس طوال الليل يراقب حركات المريض وسكناته وخفقات قلبه يعيش لحظات من القلق والارق «الملف الإجتماعي» تجاذب اطراف الحديث مع عدد من المرافقين لمرضاهم لعكس الحالة النفسية لهم وهم يعملون على خلق نوع من التوازن بين تلبية احتياجات المريض النفسية والمعنوية فماذا قالوا؟ امتحان عسير اخذت الخالة عائشة والتي ترافق زوجها الذي أُصيب بذبحة قلبية مفاجئة ويرقد في الانعاش نفسًا عميقًا ثم قالت لي بصوت حزين «الله لا وراك مكروه في عزيز يا بتي»، واضافت قائلة لم أستطع الجلوس في المنزل وانتظار الأخبار بالهاتف ففضلت مرافقته مع ابني البكر فقد لا تصدقين حتى وانا معه بالمستشفى رأسي يودي ويجيب فكيف يكون حالي لو مشيت البيت، والله العيانة انا مش هو، بالهم الفي قلبي وعدم النوم والاكل والتعب، بس ربنا يصبرنا على الامتحان ده، وودعتها ولسانها يلهج بالدعاء بالشفاء لكل مريض. «البقولوا القلب إن شاء الله ماتشوفوا العين» وترجع سمر بشير «الموظفة» بذاكرتها قليلاً الى الوراء وتسرد تجربتها قائلة مع انني كنت اصغر شقيقاتي الا ان القدر والظروف جعلتني المرافقة الوحيده لوالدتي وهي على سرير المرض، وبالرغم من تعليمات الطبيب بعدم مرافقة أي شخص لها في الغرفة الا ان توسلاتي ودموعي أفلحت في استدرار عطف الطبيب فمكثت في الغرفة بجوارها لم يغمض لي جفن حتى نداء صلاة الصبح فقد كنت في حالة من القلق اخاف ان يصيبها مكروه اثناء نومي فكنت اراقب انفاسها تعلو وتهبط ليطمئن قلبي انها بخير وزي ما بقولوا اهلنا «البقولو القلب ان شاء الله ماتشوفوا العين»، وبحمد الله تماثلت للشفاء وربنا يديها العافية لذلك تأكدت أن وجود المرافق الواعي وصاحب «القلب القوي» مع المريض أمر في غاية الأهمية من الناحية النفسية. البكاء والعويل ويؤكد احمد عبد العال «موظف» ان المرافق للمريض برغم الفوائد الايجابية له الا انه في كثير من الاحيان يشكل مصدر قلق للمريضة من خلال قلقه الزائد عليها فنجد المرأة مثلاً اذا كانت مرافقة تجد البكاء والعويل سيد الموقف الامر الذي قد يدخل المريض في حالة نفسية سيئة ونجد ان عدداً من المستشفيات في دول الخليج مثلاً تمنع وجود مرافق حتى في حال العمليات الجراحية ولكننا كسودانيين يظل بالنا مشغولاً على المريض حتى وانت معه بالمستشفى ناهيك ان تتركه لأيادٍ غريبة ترعاه، فالقلق والتوتر من اقسى الامور على نفس الشخص المرافق. أرق وسهر وترى سهى الطيب «الموظفة» ان المريض نفسه تتاح له فرصة النوم بعمق عكس المرافق الذي قد لا يغمض له جفن حتى طلوع الشمس فنجد المرافقين في المستشفيات خاصة الحكومية يكونون علاقات اجتماعية قوية خاصة للقادمين من الولايات من خلال السهر الجماعي فالجو العام للمستشفى يجعل الشخص في حالة من التوتر والقلق الدائم خاصة اذا تقرر اجراء عملية جراحية، فاذكر عندما رافقت ابن اختي بعنبر العظام وما ادراك ما عنبر العظام فقد كنت اظل طوال اليوم الهث ما بين الركض وراء الأطباء ومراقبة حالته الصحية لذلك المرافق يكون في حالة نفسية سيئة وارهاق ذهني ونفسي. تصويب المشاعر الأستاذة سوسن ادريس الباحثة في علم النفس اكدت ان الشخص المريض في السودان بصورة خاصة يحتاج الى اكثر من شخص يسانده ويقف الى جواره يلبي طلباته من صرف للدواء واحضار الفحوصات وملاحقت الأطباء فكلنا نعلم تمامًا حال مستشفياتنا الخاصة او الحكومية بجانب التخفيف عنه نفسيًا ووفقًا لرأي علم النفس الحالة النفسية الجيدة تساعده على الشفاء واضافت ان الشخص المرافق في الغالب يكون متعبًا نفسيًا وجسديًا اكثر من الشخص المريض فهو يسهر على راحته وهناك من يفكر بصورة سالبة مسببًا لنفسه الارق والاكتئاب والقلق والخوف من حدوث مكروه فهو يعيش في حالة من الترقب، فالمرأة بطبعها وتكوينها النفسى يصعب عليها السيطرة على مشاعرها وتصويبها في الاتجاه الذي يصب في مصلحة الشخص المريض لذلك لا بد ان يكون الشخص المرافق صاحب بال طويل ويتسم بالصبر والحكمة.