أعاد المتطرفون العلمانيون القائمون على ما يسمى «منبر الحرية» بالأردن نشر الترجمة العربية لكتاب الدكتور عبد الوهاب الأفندي الموسوم: Who Needs an Islamic State? وفي هذه الترجمة اتخذ الأفندي لكتابه عنوانًا مغايرًا حيث أصبح العنوان بالعربية «لمن تقوم الدولة الإسلامية؟» وواضح ما في الترجمة من تزييف وخلل. فعنوان الكتاب باللغة الإنجليزية يرسل معنى مختلفًا ويبث إيحاء مغايرًا. وكان من الأمانة والدقة أن تكون ترجمة العنوان إلى العربية «من يحتاج الدولة الإسلامية؟» وجلي أن هذا المعنى مختلف عن ترجمة التزوير والتغرير، التي صدر بها العنوان الجديد. فإيحاء العنوان القديم استنكاري، وليس استفهاميًا فقط. فهو يستنكر على من يطالبون بقيام دولة إسلامية طلبهم هذا. وأما العنوان المدلس الجديد فقد جاء إيحاؤه استفهاميًا خالصًا. وكأنه أراد أن يتخلص من موقفه الاستنكاري السابق. وهكذا يصنف الأفندي بضائعه المشبوهة، ويصطنع لها العناوين الملائمة، حسب أذواق المستهلكين. فما تقبله الجمهور الإنجليزي من عنوان وضعه على غلاف الكتاب. وما عافه الذوق العربي الإسلامي ومَجَّه، حذفه وجاء بعنوان بديل له على صفحة الغلاف. هذا بينما ظلت بضاعة الكتاب على حالها لم تتغير في شيء عرضي أو جوهري. أحباب الأفندي ولقد راقت لهذه الفئة العلمانية الشعوبية، التي تطلق على نفسها اسم «منبر الحرية» وهي جماعة مشتطة في حرب الإسلام والعروبة معًا، محتويات كتاب الأفندي، وما نضح به من فكر مناف للإسلام، ومجاف له، فسعت في ترويجه في إطار رسالتها لهدم الإسلام. وحتى لا نتهم برمي الكلام على عواهنه، يحسن أن نعرِّف القارئ بفكر هذه الفئة المارقة، من خلال مقتطفات من أفكارها، المنشورة على موقعها الإلكتروني. هللت هذه الفئة الضالة، لانفصال جنوب السودان، وزعمت أن الجنوبيين تحرروا بذلك من ربقة العروبة، وادعت أن العروبة تتماهى مع الاستبداد، وأنها تزيد من قمعها كلما طالبت الأقليات غير العربية بحقوقها. وما زالت هذه الفئة العلمانية المفسدة، تعيد تنشيط الحرب الاستشراقية القديمة، على اللغة العربية الشريفة، وتقاوم جهود التعريب التي تبذلها بعض الحكومات العربية، لنقل محتويات الكتب العلمية الحديثة إلى لغة الضاد. وقد زعمت هذه الفئة التغريبية في كتابات لها حملت عنوان «هل العربية لغة علم؟» أنها ليست كذلك، وإنما: «حملت اللغة العربية إبداع العرب الوحيد ألا وهو الشعر قبل الدعوة الإسلامية ومنحها القرآن التقديس فيما بعد لتكون لغة إعجازية مقدسة». ولم تتردد هذه الفئة المنحرفة في الزعم بأن الإسلام هو المشكلة لا الحل! وترددت هذه الشكوى كثيرًا في كتاباتهم، ومن ذلك هذا المثال عن مصر، حيث يقول أحد كتابهم: «المعضلة التي تشغل مصر ومعها العالم الخارجي هو الظاهرة الإسلامية، فقد عرفت مصر خلال الثلاثة عقود الماضية الظهور الكبير لجماعات سياسية تسعى بطريقة عنيفة أحيانًا لتطبيق الشريعة الإسلامية، وارتفع شأن الإسلام كإيديولوجية، وكقوة سياسية وكجزء من المجتمع المدني. ورغم ما يبدو من تماسك تلك الظاهرة، فإنها تحت الرداء الفضفاض لكلمة الإسلام أكثر تعقيدا وتعددية». ولم يكتف الكاتب بحرب الجماعات الإسلامية، وإنما هاجم الشعب المصري برمته، لأنه أصبح أكثر تدينًا: «أصبح المصريون يصلون ويصومون ويذهبون إلى الحج بأكثر مما كان الأمر في السابق، وأصبح الملبس الإسلامي للرجال والنساء أكثر شيوعًا، وحتى أجهزة الدولة والنقابات والأحزاب السياسية «بما فيها العلمانية» تحتفل بالمناسبات الدينية وتقوم بتجهيز رحلات حج مدعمة». وحرض هذا الكاتب الذي يتشبث بالمبادئ الديمقراطية النظام المصري، في عهده القديم، لئلا يسمح بقيام حزب إسلامي:« فهل يسمح النظام الديمقراطي بأن تستخدم آليات الديمقراطية وإجراءاتها لتقويض هذا النظام من أساسه، وهو ما حدث في جمهورية فيمار بألمانيا، عندما وصل الحزب الوطني الاشتراكي «النازي» إلى السلطة من خلال الآليات الديمقراطية، ثم قام بإلغائها بعد وصوله إلى مقاعد السلطة». كانت تلك نماذج يسيرة مما طفح به الموقع الإلكتروني لمجموعة «منبر الحرية» الناشطة في حرب الأديان على العموم، وحرب الإسلام على الخصوص. ومن أراد أن يراجع الموقع بنفسه فسيجد مئات الدراسات والمقالات الشبيهة بما أشرت إليه هنا على سبيل الاختصار. وبحسبنا أن ننهي هذه النماذج بمقتطف ينبئ عن ذعر هذه الجماعة، التي تستخدم الشابكة الدولية لنشر أفكارها، من هذه الأداة نفسها، لأنها حسبما قالوا أسهمت كثيرًا في الآونة الأخيرة في نشر الدين. ضد الأديان جميعًا ففي دراسة بعنوان «الدين الهوس المعولم» قال أحد كتاب هذه الطائفة المتطرفة: «إن الدين يزداد حضوره بقوة على شبكة الويب خاصة المدونات الدينية، التى تحول أصحابها إلى فاعلين دينيين ينافسون رجال الدين فى الديانات الكبرى، وسيكون صعبًا على هؤلاء أن يسترجعوا مكانتهم التقليدية! فحتى وقت كتابة المقال إذا دخلت جوجل وكتبت «Religious» سوف يظهر لك أكثر من 223 مليون صفحة ويب مرتبطة بالدين بشكل أو بأخر. فالدين أصبح هوسًا معولمًا». وبعد أن ناقش الكاتب الجانب السلبي، في موضوع نشر الدين عن طريق الشابكة الدولية، عاد فعزَّى نفسه، وخفَّف وقع الخطب على أتباع خطه الفكري العلماني، قائلاً: «لكن الجانب الآخر للإنترنت فتح الباب على مصراعيه للتعرف على الانتقادات والآراء المخالفة، ليغير كثير من المؤمنين والأتباع دياناتهم بسرعة بعد أن ظلوا سنين متمسكين بها، فمنهم من ارتدوا وكفروا». فهذه الطائفة الغالية التي تستبشر بارتداد الناس وكفرهم هي الطائفة التي احتفت بأفكار الدكتور الأفندي. وهي الطائفة التي تكرم عليها بأن منحها إذنًا لتقوم بإعادة طبع كتابه وتوزيعه. ولو لم يكن كتابه محققًا شيئًا من مآرب هذه الطائفة الخبيثة، وملبيًا بعضًا من مقاصدها المريبة، لما حفلت به وما اعتنت بترويجه في الخافقين.