آن الأوان أن نتجرَّد من أجل وطننا، ونصوِّب كل طاقاتنا وجهودنا من أجله، نتخلَّص من كلِّ الانتماءات الحزبية والتعصُّبات السياسيَّة والمناطقيَّة والجهويَّة الضيقة ونرتاد فياح الوطن الواسع، نبذل من أجل مهجنا وأرواحنا وكل ما نملك، فالوطن باقٍ ونحن لا شك ذاهبون، وأجسادنا فانية وأرواحنا مغادرة، لكن ما يمكث في الأرض حتى يرثها الله هو الأوطان التي لا يأتي جيل إلا وأرسى دعائم لجيل آخر تتوارث الأجيال حب هذا التراب وتتمسَّك بقِيم وهُوِيَّة لا تنكسر ولا تلين.. الأحداث التي شهدتها ولايتا جنوب وشمال كردفان وما يجري في دارفور والنيل الأزرق، ظلت تستفز الشعور الوطني، ويشعر كل مواطن بغصَّة في حلقه ومرارة في قلبه، من هول وحجم المفاجأة ولؤم المؤامرة التي تحدق بالبلاد... من شرذمة من العملاء والأوباش، يريدون لهذا الوطن أن يكون موطئاً تحت النعال، ومسحوقاً ومهزومًا مدحورًا، لكن هيهات لهم ذلك.. لقد تنادى بالأمس عددٌ من أبناء هذا الوطن بالأمس فرسان قواته المسلحة من القادة العظام الخالدين في تاريخ القوات المسلحة يتقدمهم المشير سوار الذهب والفريق أول عبد الماجد حامد خليل، وقيادات وأسماء لامعة من كل الأجيال العسكرية وقدامى المحاربين، والقيادات السياسيَّة من كل الأطياف، والزعامات الأهليَّة وقيادات المجتمع ورموزه وصفوة شبابه ومجاهديه ونسائه اللواتي نصرنه بكل غالٍ ورخيص.. تنادى كل هؤلاء بالأمس في مبادرة طوعيَّة عفويَّة لنصرة الوطن وتلبية لداعيه وندائه العميق، فبعد أحداث أبوكرشولا وأم روابة وما جرى من قبل في مدن جنوب كردفان وما يحدث من 2003م في دارفور، لم يعد هناك من خيار غير الاصطفاف تحت راية الوطن الكبير، خالعين أي رداء وثوب آخر سوي بردة الوطن الدافئة من أجل تضميد الجراح والسمو فوق التحزبات والصراعات وتقوية البناء والصفّ الوطني وجمع الكلمة حتى تنعم هذه البلاد بالأمن والسلام والطمأنينة وتندحر أصوات العمالة وتُهزم فلول المارقين والبُغاة... علَّمتنا دروس التاريخ أن السودانيين في ساعة الجدِّ واللحظات الحاسمة، هم أهل نصرة ونفرة وجهاد، ما إن تُعلى رايات الكفاح والجهاد من أجل التراب والعقيدة والدين والهُويَّة حتى تجدهم يسابقون الريح نحو الوغى، ويبذلون الأرواح فداءً وتضحيةً في سبيل أن تظلَّ كلمة الوطن في أعالي الفضاء.. وكل تاريخنا الوطني لألوف السنوات كان هكذا... لم يتخلف أو يتقاعس فرد عن داعي الوطن أوعن صيحة النداء الجهيرة العالية حين تدلهمّ الخطوب ويعظُم الابتلاء وتعمُّ البلوى، عبر الحقب الزمنية المختلفة كان السودانيون يدًا واحدة متحدين ضد الظلم والعدوان والبغي منتصرين للولدان والشيب والأرامل... خفافاً عند الفزع، لا يتخلفون عن نجدة المظلوم، يغضبون للدمع المستخفي في عيون النساء وللفجيعة في صراخ الأطفال واليتامى والمشردين والتهائهين في الفلوات المميتة.. اليوم نحن نقف عند مفترق طرق، إما أن نكون كما نحن كما عرفتنا الدنا ورصدنا وسجلنا التاريخ، أو نكون غثاء كغثاء السيل وزبد يذهب جفاء... يجب أن تكون كل جحافلنا من أجل رد العدوان والظلم وسحق عمالة العملاء، وتعويض أهلنا في جنوب كردفان والنيل الأزرق وفي أم روابة وفي دارفور، لحظات اليأس ولعلعة الرصاص ومسيل الدماء والارتعاب من هجمات شُذاذ الآفاق وقاطعي الطرق وبائعي الموت... باطنُ الأرض خيرٌ من ظاهرها إن صمتنا اليوم عن هذه الجراح النازفة، وتركنا أهلنا مشرَّدين في العراء نازحين في الأصقاع وأطراف المدن، أُخرجوا من ديارهم بغير حق، وقُتِّلوا دون ذنب، فكيف ننعم في مراقدنا ونهنأ بمطعمنا ومشربنا وملبسنا ومساكننا.. الآلاف يواجهون آلة موت عمياء طائشة حاقدة، يهيمون في العراء بحثاً عن أمن ومأوى؟! اليوم وغدًا والأيام التي تلي هي أيام عمل وفعل، وأيام تضامن وجهد ومثابرة حتى نرد كيد الكائدين ونقف جميعاً خلف قواتنا المسلحة ومجاهدينا حتى نردع كل خارج ونضمِّد كل جرح ونشيد كل منشأة وبيت خرب وبئر هُدمت ومسجد دُنِّس وكرامة أُهينت... فلننهض من أجل نداء الوطن.. ولننهض من أجل صريخ وجريح ولنتحرَّك من أجل الوطن.. ولنقف خلف القوات المسلحة..