قبل عام تقريبًا كان أهلنا في قرية المسيكتاب بالقرب من مدينة شندي يشتكون من هروب النيل من مجراه مما أفقدهم الكثير من الأراضي الزراعية الخصبة التي كان بالإمكان أن تُدخِل الكثير من الأموال إلى خزينة الدولة، وقبل المسيكتاب كان أهل شرق سنار يشتكون من ري مشاريعهم، وقبلهم أهل النيل الأبيض و.. و... وقائمة طويلة من الأراضي الخصبة تشتكي من العطش في وجود نيل عظيم يفاخر به الكثيرون، ولم تسلم الولاية الشمالية كذلك من قائمة شكاوى المزارعين حول انعدام المياه وضياع العديد من المشاريع الزراعية التي إن توفرت لها المياه ومدخلات الزراعة لأصبح السودان بحق وحقيقة هو سلة غذاء العالم، ولكن للأسف هذه المشاريع تجد الإهمال المريع من قبَل الدولة وهذا ما جعل بعض المزارعين يهجرون الزراعة بحثاً عن الذهب الذي أصبح (موضة) في هذا الزمان، فقليل ما تجد منزلاً في الولاية الشمالية أو نهر النيل لا يوجد فيه شاب توكّل على الواحد الأحد وحمل أمتعته متوجِّها لأماكن التنقيب عن الذهب، وهذا المعدن الثمين قد يؤجل تحقيق مقولة «السودان سلة غذاء العالم» إلى جانب «طبعًا» الإهمال الذي تجده الزراعة في ولايات السودان المختلفة، فلا يُعقل أن تكون لدينا سدود تُولد الكهرباء حتى تفيض عن حاجتنا وهناك بعض المشاريع لا تزال تعمل «بالجاز»، ولا يُعقل أن يكون النفط يلعب بالاقتصاد كيفما يشاء والأراضي «بور» تبحث عن إصلاحها، ولا يُعقل أن يكون مطلب المزارع فقط «موية في الحفير» وخزينة الدولة تهدر المليارات في استقبال الوفود والمؤتمرات التي لا تقدّم ولا تؤخّر. إن الاقتصاد السوداني لن ينصلح حاله إلا بالاهتمام الفعلي بالزراعة وليس بالخطب الرنانة التي يخرج بها وزير الزراعة وغيره من ولاة الولايات لتوضح خططهم للنهوض بالزراعة في هذا الموسم أو ذاك، فالمزارع «شبع» من الوعود غير المحققة ويريد عملاً فعليًا أولاً بتجهيز قنوات الري، وصيانة البيّارات، وتوفير مدخلات الإنتاج قبل وقتٍ كافٍ حتى لا يتأخر الموسم كما حدث في مواسم سابقة مما جعل الإنتاجية ضعيفة في بعض المحاصيل. إن السودان مليء بالأراضي الخصبة وإذا اتجهت الدولة للزراعة «بحق وحقيقة» فهي قادرة على معالجة جميع الإشكالات التي ربما تواجِه المزارعين من أجل جعل السودان أخضر وكذلك اقتصاده.