سيدي الرئيس.. ادفع بالتي هي أحسن، تشكيل حكومة من الإصلاحيين يمكن أن يكون حلاً مثالياً، لعبورهذه المرحلة الانتقالية، التي ستجسر المسافة بين دولة الحزب ودولة الشعب؟. نعني بالإصلاحيين أولئك الذين يقفون على الرصيف، من منسوبي المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية سابقًا، جراء مواقفهم النقدية المبدئية إزاء أداء الحزب وطريقة إدارته للدولة، فهؤلاء لابد أنهم وطنيون يتسمون بالإباء وقد جعلوا، حسب زعمهم، الحق خيارهم، على حساب مصلحتهم الشخصية ومصلحة الحزب، وبالتالي فثمة نزاهة لم ينكرها عليهم من أنكر خروجهم على المؤسسية، صحيح أنهم ربما تنكبوا الطريق وشقوا الصفوف ذات يأس، ولكنهم عمومًا مشهود لهم بالإخلاص والكفاءة وطلب مصلحة الجميع، ولو على حساب إطارهم السياسي الضيق، لذلك فهم ليسوا الأسوأ من حيث النرجسية والبراغماتية، ولا بد أنهم يقفون في منتصف الطريق الآن، بين النظام والمعارضة، ولو كانوا على باطل محض لما تبعهم أو أيدهم أحد. بل حالاً ربما يجدون من تعاطف الشارع أكثر مما يحظى به كثير من النافذين. فلماذا لا يُعطوا الفرصة ليثبتوا قدرتهم على التغيير الإيجابي، لماذا لا يجري توظيف ميزاتهم بذكاء وإخلاص نية؟. دعونا من القول: نحن لا نكافئ المنشقين والمتمردين على أخطائهم، هذا كلام من شأنه أن يقصي الخيرين لمصلحة الطيعين قليلي الحيلة فحسب. تشكيل الحكومة المقبلة من الأباة ربما يكون بديلاً مناسبًا للحكومة القومية التي تمهد للانتخابات وقد رفضها الحزب الحاكم. وكتابة الدستور وإجراء الانتخابات في عهد هؤلاء الإصلاحيين أحرى بقبول المعارضين ومشاركتهم في السلطة الانتقالية. أولاً لنثبت حقيقة مهمة، وهي أنه لا تفريط في رئاسة المشير البشير للدولة في الوقت الراهن، لجملة أسباب موضوعية، أبرزها أنه منتخب لم يستكمل استحقاقه، وهو يمثل المؤسسة العسكرية، وما يزال يحافظ على وضعه الفعال فيها، وبالطبع سنرتكب حماقة إذا ظننا أن مرحلة حساسة كهذه يصلح لها رئيس لا يلقى رضى من الجيش وبقية القوات النظامية. ومن الخطل أن نرجو رئيسًا عسكريًا صرفاً، قليل الدربة والمرونة السياسية غير متآلف مع تعقيدات الوضع الحالي. البشير هو الأنسب لألف سبب وسبب، فهو صبور، يصبر على ما لا يصبر عليه عسكري آخر. والرجل لا ينتقم لنفسه، ولو انتصر لها فهو لا يجهل ولا يفجر. ولا يعيبه إلا مجاملته لجماعته ورفاقه، لذلك فهو نسبياً الرئيس الأمثل، إلى أن يرث الشعب الدولة وما لها وما عليها. وأما الأستاذ علي عثمان فهو أولاً رجل قانون فطن ووقور، هو طويل المران والمراس والبال في شؤون إدارة الدولة، كما أن الرئيس قد لا يستغني عنه، للمشورة والنيابة، وأما إذا تخلى الرئيس عن رئاسة الحزب للسياسي الضليع دكتور نافع وفرغه من أجله فسيكون ذلك خيرًا للوطن وللمؤتمر الوطني الذي سيواجه استحقاقًا انتخابيًا شرسًا قريبًا وها هو شعث، تتنازعه أهواء القوى والقبليات. التجاني السيسي يرقى إلى نائب رئيس مفسحًا المجال لحملة السلاح من أبناء دارفور الذين لن توسع لهم الحكومة فرصًا أكثر مما افترضته اتفاقية الدوحة. وأما بقية نواب ومساعدي الرئيس والوزراء فيمكن استبدالهم بآخرين، فيما عدا عوض الجاز وكمال عبد اللطيف لبلائهما الحسن ومثابرتهما، وحاجة البلاد إلى دورهما، على الأقل في هذه المرحلة الانتقالية التي نقترح لها سنتين على الأقل. نريد أن نجتاز عنق الزجاجة بسرعة، اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا. فلماذا لا يعين ود إبراهيم وزير دولة بالدفاع مثلاً؟، ولماذا لا يعود غازي صلاح الدين رئيسًا للبرلمان، وحسين خوجلي للثقافة والإعلام، والطيب زين العابدين للتربية والتعليم وكرم الله عباس للزراعة وفرح العقار لديوان الحكم الاتحادي وأميرة الفاضل للرعاية الاجتماعية وحسن رزق للشباب والرياضة وعبد الرحيم حمدي للمالية والمهندس الطيب مصطفى للكهرباء والسدود وموسى هلال قريبًا داخل القصر. شباب المؤتمر الوطني، المنتظرون على أحر من الجمر «من يسمون بالوجوه الجديدة»، أمامهم ثلاث عشرة وزارة أخرى يرشحون لها «وزراء دولة» حتى يتمرنوا ريثما تقام الانتخابات العامة. هذه التوليفة «ككل» لا تستطيع ان تتآمر لا على الرئيس ولا على الحزب الحاكم، بل ستنشغل ب«مانديت» وطني إصلاحي يشمل الاقتصادي والأمني والسياسي والدستوري وسيكون أداؤهم رائعًا لأنهم سيكونون أمام تحد. أو على الأقل سنرتاح من دعاواهم وعوم البر الذي يمارسونه يوميًا هذا. تشكيلة كهذه ستغني عن محاصصات الأحزاب الصغيرة التي تجاوزت المرحلة أهميتها، وتفتح المجال لإعادة النظر في حصص اتفاقات السلام السابقة، كما تستوعب مشاركات الأحزاب الكبيرة إذا رغبت فيما لم نشر إليه من حقائب «حوالى خمس عشرة حقيبة أخرى» ومناصب في القصر، تستطيع جميعاً أن تستوعب أيضاً مخرجات التفاوض مع قطاع الشمال «أو أبناء المنطقتين»، وذلك ضمن إطار وفاقي وطني يكفل السلام والاستقرار، ومن ثم يتفرغ الجميع للانتخابات المقبلة بتفاؤل وثقة أكبر. ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.