للمكان تأثيره على الشاعر وعليه توظيف خصوصية منطقة انتمائه أسامة سليمان من السودانيين الذين غادروا السودان «اغتراباً» منذ أكثر من ثلاثة عشر عاماً.. يعمل الآن بصحيفة الجزيرة بالمملكة العربية السعودية، بجانب مساهماته ككاتب في عدد من الدوريات والمجلات والمواقع الإلكترونية، نشأ في كنف الجزيرة وهو من ابناء منطقة «التكله ابشر» محلية الكاملين.. .. قال لي ان مشكلة العامية لدينا أنها وقعت في فخ المشابهة والتقليد ودار عدد من الشعراء الجدد في فلك أصوات بعينها وظل يردد :«لم يعد الشعراء قادرين على إقامة جسور بينهم وبين المتلقي مع وجود بدائل غير الشعر يلجأ إليها الناس لإرواء عطشهم الجمالي فالموسيقا والمسرح والتشكيل والرواية والسينما وغيرها لم تكن موجودة عندما كان الشعر هو الملجأ الأوحد للناس.. الشعر لم يعد وحيداً في الساحة مثلما كان». هو الشاعر اسامه سليمان الذي ترك الوطن ليختار الإقامة بالمملكة ومن هناك ظل ابداعه الشعري متواصلاً.. لديه ثلاثة دواوين شعرية: «اجتراح الكتابة و?صحراء الورقة وفي شارع من دون لافتة».. «نجوع» اجرت معه الحوار التالي من مقر اقامته عبر موقع التواصل الاجتماعي: هل كانت تجربة اغترابك إضافة لك أم خصماً؟ الغربة إضافة وخصم.. الغربة تخصم من جهةٍ وتضيف من أخرى.. هذا الأمر يمكن حسابه ببساطة امتلاك الواحد منا عدداً من الخبرات والمعارف والتجارب على المستوى الإنساني والمعرفي.. لكن بالتأكيد الغربة تخصم الكثير جداً من الرصيد الاجتماعي.. وهذا مؤثرٌ جداً بالنسبة لي. بأي الألوان يكتب أسامة وهل ينتمي إلى مدرسة بعينها؟ قلتها مرة: إنني لا أميل إلى إقامة هذه الجدر الشاهقة بين العوالم الإبداعية وأخشى سلطة التصنيفات وقضبانها، القصيدة لحظة جامحة اندياحاتها لا تعترف بالحدود لا أريد وضع نفسي داخل إطار أكره الأطر وأتوسل إلى الجمال أي الأساليب. أيهما أكثر وقعاً على المتلقي الكلمة الدارجة أم الفصحى؟ هما قصيدتان وهناك شعر ولا شعر لكن أستطيع القول وهنا الحديث عن النماذج الحقيقية هنا وهناك : إن القصيدة العامية حققت فتوحات كبرى بما توافر لها من معينات كثيرة أهمها أنها اللغة المحكية لغة التفكير في أول مستوياته هناك شعراء أوجدوا ما يمكن تسميته بمدارس شعرية عامية لها سماتها وخصائصها لكن مشكلة العامية لدينا أنها وقعت في فخ المشابهة والتقليد ودار عدد من الشعراء الجدد في فلك أصوات بعينها بالطبع نستثني تجارب كثيرة وأصواتاً صقيلة أصيلة لا أستطيع أن أقول عن إحداهما: إنها أكثر وقعاً لكن العامية وهذا ليس اعتراضاً زحفت إلى المنابر وشعراء العامية - وحسب ما يتاح لي من فرص متابعة- كثيرون جداً. المنتديات الشعرية هل تراها كافية لإيصال صوت الشاعر إلى المتلقي؟ تسهم المنتديات إسهاماً كبيراً في إثراء التجارب بما تتيحه من فرص الاحتكاك بين المبدعين وتلاقح الأفكار لكنها ليست صالحة في كل الأحوال لإيصال صوت الشاعر انحصارها جغرافياً يجعلها مكاناً تلتقي فيه الوجوه نفسها فجمهورها لا يكاد يتغير وقد تتحول في بعض الأحيان إلى حفلات مجاملة يقرظ فيها كل شاعر زميله منتظراً رد الجميل وبعض المنتديات تخضع للسيطرة والتوجيه. كيف لنا أن نعرض ونعرّف بإنتاجنا خارجياً؟ هذه المرة سأعفي الدولة والجهات الرسمية من بعض العبء، في هذا الزمن المفتوح أضحت هناك وسائط متعددة تيسر التواصل وتنقل التجارب، نعم نحتاج إلى أدوار رسمية ومؤسسية لكن يبقى الجهد الفردي رافداً لاغنى عنه في هذا الجانب. في أرض الجزيرة الخضراء كانت نشأتك، هل كانت البيئة هناك سبباً لنمو ملكات الإبداع بداخلك؟ قبل تأثير المكان أي مكان في المنتوج الشعري أقول: الجزيرة ليست مكاناً فقط؛ إنها شهقة الحب الأولى تقيدك إليها بنيليها فلا تستطيع العمرَ منها فكاكاً ربما اكتسبنا - نحن أبناء النيل الأزرق عنفوانه فانعكس على إنتاجنا، نعود نعم للمكان تأثيره على الشاعر قالوا: الشاعر ابن بيئته أعتقد أن على الشاعر توظيف خصوصية المنطقة التي ينتمي إليها لا أن يكون مجرد صدى لها. لماذا يختار دائمًا المبدعون الهجرة وترك الوطن؟ أهو الإبداع المتطلع لاكتشاف الآخر أم غيره؟ الهجرة التي تتحدثين عنها هي هجرة من حزم حقائبه واختار وجهته، نحن لفظتنا البلاد ووجدنا أنفسنا نتساءل: أين نحن؟ اكتشافنا للأشياء من حولنا اكتشاف الطفل للحروف لا اختبار الأشياء بوعي، ربما لم تمهلنا الظروف لاستصحاب علامات الاستفهام. أزمة الطباعة تشكل عائقاً للإنتاج الكتابي في السودان؟ كيف هي الحال في المملكة وهل أتاحت لك فرصاً ربما كانت مغلقة أمامك قبل الهجرة؟ لا شك أن الطباعة والنشر يجددان طاقة المبدع، وعندما أقول الطباعة والنشر أعني أنني أريد التعامل معهما منفصلين، فالطباعة غدت أمراً يسيراً نوعاً ما في بعض البلاد من حولنا، لكن من تتيسر له الطباعة قد يجد نفسه محاصراً بكتبه التي تكدست حوله، ليس هناك شاعر يتدافع الناس لاقتناء دواوينه، ليس هناك ناشر قادر على ابتكار وسائل تسويقية أليست هناك طريقة غير وضع الكتب على الأرفف والانتظار؟ مهربي من هذا كله أن أمر الطباعة والنشر لا يعنيني... فقط سأكتب. هل الشعر والأدب عندنا في ذيل أولويات الدولة، ولهذا واقعنا طارد للمبدعين؟ واقعنا طارد؟ نعم وهو لا يتمهل ريثما يغسل يديه من طرد ليقترف طرداً آخر لكن يُحمد له أنه لا يفرق بين مبدع وغيره الأدب في ذيلية اهتمام الدولة هذا مفروغ منه، لكن حتى لو قفز إلى صدارة اهتماماتها يبقى واقعنا طارداً، لا يهمني أن تسع الدولة مبدعيها فقط فلا هطلت عليَّ ولا بأرضي سحائبُ ليس تنتظم البلادا. ما هو إنتاجك الشعري إلى اليوم؟ «صحراء الورقة» الخرطوم 1999 «اجتراح الكتابة» الرياض 2005» في «شارع من دون لافتة» القاهرة «دار أوراق 2013 في الحرب مطولة شعرية قيد الترجمة وربما رأت النور بلغة أخرى قبل صدور الطبعة العربية.