لم تكن مواءمة التعليم العالي لمتطلبات سوق العمل من أهم القضايا التي تعرض للتداول عندما كان سوق العمل يستوعب جميع خريجي مؤسسات التعليم العالي، حتى يوفر لهم الوظيفة المناسبة لشغلها بحسب تخصاصتهم، إلا أن التحولات والتغيرات التي شهدتها البلاد في السنوات الأخيرة جعلت من التدريب المهني قضية تحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر سيما في ظل الإنفاق الكبير على نظام التعليم وعدم قدرته على تخريج منتج تعليمي بمواصفات تحتاجه القطاعات الإنتاجية في الوطن، ويرى مراقبون وخبراء في القطاع التعليمي أن التركيز على التعليم العام يمثل زيادة ضغط على مؤسسات التعليم العالي الذي انعكس بدوره وأدى إلى التوسع الكبير لإنشاء عدد أكبر من الجامعات العامة والخاصة، مما أوجد مشكلة كبيرة في عملية التوظيف الحكومي الذي فاقم مشكلة البطالة وتوظيف القوى العاملة والمؤهلة وأخيراً أضحى أمر توظيف الكفاءات الجامعية أحد أهم القضايا التي احتلت قائمة المشكلات التي استعصى حلها على الجهات المعنية، ونادى الخبراء بمنح التعليم والتدريب المهني بمسمياته ومستوياته المختلفة زيادة من الاهتمام، بالتوسع في زيادة عدد الكليات التقنية ومعاهد التدريب والتأهيل المهني للحد من تفاقم ظاهرة الضغط على مؤسسات التعليم العالي وتنامي نسبة معدل البطالة بين الخريجين، وبحسب الدراسات التحليلية لمدى استجابة مراكز التدريب المهني لاحتياجات سوق العمل التي أجرتها الإدارة العامة للتخطيط الإستراتيجي بوزارة التنمية البشرية والعمل بولاية الخرطوم أن التدريب المهني شهد نشاطاً بالولاية وأصبح يحتل مراكزاً متقدمة في أولويات الحكومة بإعداد مناهج متطورة وتدريب الكوادر البشرية العاملة في شتى المجالات بهدف التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمحاربة الفقر والحد من البطالة وتقليل العمالة الوافدة، وبما أن التنمية بإطارها الشامل تعتمد على مدى الخبرة المكتسبة وصناعة المعرفة والمهارات التقنية التي يمتلكها رأس المال البشري من جهة، وعلى مدى الحكمة والعقلانية في توظيف الموارد المالية والبشرية من جهة أخرى، فقد باتت المواءمة بين مخرجات التعليم والتدريب واحتياجات سوق العمل ضرورة ملحة تفرضها التحولات والتطورات التي تمر بالبلاد، وبالتالي أصبحت غاية لتحقيق تنمية شاملة تتمثل في بيئة المراكز المعنية بعملية التدريب وتحسين جودة حياة المواطن في جميع مناحي الحياة، إلا أن الدراسة كشفت عن خلل في التغطية الجغرافية لمراكز التدريب المهني على المستوى القومي حيث تحظى ولاية الخرطوم بأكثر من «68%» التدريب المهني فيما تحظى الولايات الأخرى بنسبة «32%»، وأكدت أن مراكز التدريب المهني الخاصة تعاني من نقص في بنياتها الأساسية وتوفر العدد الكافي من المعدات الحديثة المواكبة للتطور التكنولوجي في سوق العمل، في وقت أقرّ فيه والي الخرطوم د. عبد الرحمن الخضر بوجود نقص في المدربين والكوادر المهنية المؤهلة في المجالات المختلفة، مؤكداً ضرورة الاهتمام بتطوير المناهج لتطوير الأداء بالمراكز، ونشر ثقافة التدريب المهني مع الاهتمام بالمدخل العلمي لمتابعة ممارسة المهن المختلفة، واصفاً الواقع الحالي للممارسة المهنية بالفوضى التي يجب تنظيمها، من جانبه أكد وزير التنمية البشرية والعمل بالولاية د. يحيى صالح مكوار التزام وزارته بتوجيهات حكومة الولاية فيما يتعلق بالتدريب المهني لمكافحة الفقر وتوفير سبل كسب العيش، والاستعداد للتعاون مع الجهات ذات الصلة بالتدريب المهني من أجل تطوير القطاع.