عكس الحرص الذي أبداه رئيس السلطة الإقليمية لدارفور د. التجاني السيسي حول عدم الإبقاء على السلاح خارج سيطرة الحكومة لتكتمل بسط هيبة الدولة في دارفور، مدى الاهتمام الذي توليه الحكومة لإعادة ترميم خارطة السياسية للبلاد. تواتر الدعوات التي أطلقها الحزب الحاكم للحركات المسلحة بضرورة وضع السلاح والاندماج في العملية السياسية من خلال النوافذ الشرعية والتي يكفلها لها القانون، صبت في اتجاه ضرورة تحول هذه الحركات إلى أحزاب سياسية لتُمنح حق التحرك والممارسة السياسية والديمقراطية والدخول السلمي للسلطة. فتيار الأحزاب التقليدية ما زال طرفاً مؤثرًا على جملة الواقع السياسي السوداني، ولاعباً أساسياً في ميدان الأزمة، وحسب مراقبين فإن الواقع لم يفرض تيارات سياسية قوية لسحب البساط من تحت أرجل قواعد وقادة الأحزاب، لامتلاكها تجربة تاريخية بتجاوزها للإشكالات التنظيمية، والوجودية، وتأكيدهم على أن دخول هذه الحركات في خضم التنافس السياسي عبر أحزاب سياسية سيكون له تأثير على مجريات المشهد السياسي إن وجدت الشرعية القانونية والتنظيمية وخبرة الكوادر، وقدرة القواعد على النهوض عبر قيادات تضع قضايا الوطن في أولوياتها. التحدي الذي يواجه هذه الحركات يتمحور حول كيفية تحولها إلى حركات مدنية أو أحزاب سياسية، خاصة أن معظم قادتها عسكريين، والبعض منهم سياسيون مهاجرون، هذا الحديث عندما طرحناه على طاولة رئيس لجنة التشريع والعدل بالبرلمان الفاضل حاج سليمان، أشار إلى أن أي موقف يتخذه كيان سياسي ينبغي أن يكون مبنياً على المصلحة الوطنية العليا، وأن يكون التعامل عن طريق الحوار والرأي والاستثناء اللجوء لحمل السلاح بوجود المبرر لذلك. كما يرى بعض المحللين أن تيار الحركات المسلحة في دارفور بسلبياته وضعف حيلته الفكرية، يمثل افرازًا طبيعياً لضعف الأحزاب في تمثيلها لقضايا الهامش بالقدر الذي يتيح لأبنائه الفرصة لتجديد مجهوداتهم من خلالها عوضاً عن التفكير في تنظيمات سياسية أو عسكرية جديدة تعبر عنهم، وما يتطلبه واقعها بافتقارها إلى تحالف عريض بينها لإحداث التغيير في دهاليزها حتى تستطيع اقتحام الساحة السياسية عبر أيدولوجية فكرية جديدة تستصحب معها كل مكونات المجتمع السوداني حتى تكتمل عملية الاندماج الكلية. هذا الحديث جعل الفاضل يؤكد أن دعوة الرئيس البشير ونداء السيسي لكل القوى السياسية بضرورة الحوار الوطني، تمثل نهجاً واضحاً للحزب الحاكم لإيجاد النظام الأمثل للسودان، عبر إسهام كل القوى السياسية بآرائها حول مجمل الأوضاع بالعديد من الوسائل، وقال إن الانتخابات أحد الموضوعات التي سيُدار حولها الحوار الوطني. إن جاز التعبير؛ فإن خطاب الرئيس البشير فتح الأبواب مشرعة أمام المواطن والأحزاب على حد سواء للتفاعل مع المرتكزات الأساسية، وهو ما أمّن عليه رئيس مجلس الأحزاب الوطنية عبود جابر خلال مهاتفته للصحيفة بقوله إن دعوة الوطني للحوار مع الأحزاب شملت كل الحركات الموقعة وغير الموقعة على اتفاقية السلام، مؤكداً أن الدعوة هادفة إلى ضرورة تحول الحركات المسلحة إلى أحزاب سياسية استعداداً للدخول في الانتخابات القادمة، وهي تمثل حقوقاً لها كفلها القانون والدستور وفقاً لقانون الأحزاب لعام «2007م» والذي جاء مع النصوص التي منحت الحق للمواطنين في شكل مجموعات للتحول إلى أحزاب سياسية. كل الرؤى تشير إلى أن المشهد السياسي السوداني يتضمن تعقيدًا إضافيًا، بإجراء انتخابات في العام 2015م، وهو يتطلب ضرورة الإسراع في عملية الحوار مع الحركات المسلحة، إن أرادت الأخيرة المشاركة في العملية السياسية من خلال تعظيم دورها السياسي في عملياتها والذي ما زال حتى الآن مسخرًا لخدمة الأهداف العسكرية، كما أن الصراعات داخل الأحزاب والانقسامات ستؤثر سلباً على فرص الحوار الوطني السوداني. كتب برنستون ليمان وجون تيمين «لقد آن أوان دخول السودان في حوار داخلي وعملية إصلاح حقيقي تفضي إلى قيام حكومة ديموقراطية عريضة تسعى لتحقيق مصالحة وطنية ذات مغزى بين كل السودانيين، ولكن الكيفية التي يتم بها ابتدار تلك العملية تبدو في غاية الصعوبة كما كانت دوماً»، وهو مؤشر يوجب ضرورة تجسير العلاقة ما بين الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة والتقليدية عبر بذل مجهود مهم ووضع خارطة طريق تفضي إليها، حتى لا تصبح معادلة الساحة السياسية مائلة لقوى الخراب والدمار.