وصف السيد رئيس الجمهورية، ورئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم المشير عمر البشير، اللقاء الذي عقده مساء أمس الأول الأحد، مع زعماء القوى الوطنية الحاكمة والمعارضة، بأنه خطوة أولى لتفعيل الحوار الوطني، وانطلاق مرحلة جديدة من الحياة السياسية السودانية، للاتفاق على مبادئ أولية للقيام بحوار سوداني سوداني، يناقش ويقترح حلولاً لتوفير عقد اجتماعي سياسي جديد، ينهض بالأمة السودانية ويحقق لها أمنها وأمانها، ويؤسس لسلام مستدام في دارفور ومنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، يضمن مستقبلاً زاهراً لأبنائها ويحقق الوحدة الوطنية. وبناءً على هذا وفي سياق الدعوة للاستفادة من الأفكار النيرة، والتجارب الناجحة والمفلحة والراشدة والموفقة، فيما يتعلق بالعمل من أجل تحقيق الاجتماع الوطني، وتأصيله وتأسيسه في الإطار الشرعي الإسلامي، على النحو الذي يجري في الوقت الحالي في المغرب العربي وخاصة في كل من تونس والمغرب. كما تطرقنا لها أمس وأمس الأول، فقد رأيت أنه سيكون من المفيد أن نشير إضافة لذلك لما ورد عن التأصيل الشرعي للحرية، باعتبار أن هذا هو الخطوة الأولى لإنجاح الحوار الوطني الحالي في السودان، حيث إنه ليس من المتصور أن ينجح مثل الحوار المزمع، كما نرى إذا لم يتم الانطلاق فيه من الاتفاق على أن يدور في إطار الحرية الشاملة والمكفولة للجميع دون أية قيود. وتجدر الإشارة بناءً على هذا إلى ما ورد في ورقة «المقاصد الشرعية لكفالة الحريات العامة وتدبير الشأن العام للأمة» التي قدمها رئيس تحرير مجلة «الإحياء» بالرابطة المحمدية للعلماء، الأستاذ الزائر بكلية الحقوق في جامعة محمد الخامس بالمغرب د. عبد السلام طويل، وذلك في الندوة الدولية حول «علم المقاصد الشرعية بين الجهد النظري والتحقيق العلمي» التي عقدتها وزارة الإرشاد والأوقاف السودانية بالخرطوم الأسبوع الماضي، حيث ذكرت الورقة، أن التراث الإسلامي يستبطن أفكاراً موائمة للديمقراطية وأخرى قابلة للتأقلم معها، كما أن فيه من الأفكار ما يحمل في طياته تناقضاً صريحاً معها، غير أن احتكام هذا التراث لمنظومة القيم القرآنية بناءً على آليات ومنهجيات للتأويل والتأصيل والاستنباط، منفتحة على أحدث ما توصل إليه الكسب الإنساني المعاصر في مجال تدبير الشأن الدنيوي، وفق منظور مقاصدي يشكل الضمانة الأنجع لإنتاج منظومة قيم سياسية مؤسسية وحضارية إسلامية، مطابقة لروح النص والمستجيبة لمنطق العصر. وتضيف الورقة أنه: ولمقاربة هذا الموضوع من منظور مقاصدي يربط بين التعليل والمصلحة ومآلات الأفعال، سوف نقف على اجتهادات واحد من أبرز المقاصديين المحدثين، الذي تصدى لهذا الشأن بشكل مبكر نسبياً وهو الأستاذ علال الفاسي، حيث تحتل الحرية مكانة متميزة في البناء المقاصدي لديه، وهي بالنسبة إليه ليست مجرد حق طبيعي وإنما هي أكثر من ذلك حق عقلي، ولذلك نجده ينبه على أن الاقتصار في الاستدلال على الحرية بكونها محض حق طبيعي يشكل خطراً على الحرية من حيث هي، إذ «لو وضعنا حرية التفكير في عداد الحقوق الطبيعية، لكان من المتيسر أن نقول بإمكانية تحديدها بمختلف القيود التي تحد بها الحقوق الطبيعية». وتشير الورقة إلى أن الحال لدى الأستاذ علال الفاسي هو أن هناك فرقاً جوهرياً يبين الحقين، فحماية الذات تسري على الجميع بينما تقتصر حماية التفكير على نخبة النخبة، ممن يخرجون عن الآراء السائدة، ويأتون بأفكار جديدة بالنسبة للمجتمع الذي يعيشون فيه.. وترتبط الحرية لدى الفاسي ارتباطاً وثيقاً بالمسؤولية والتفكير حيث يرى أنه «لا مسؤولية بغير حرية، ولا حرية بغير تفكير»، ولذلك نجده ينتصر للحرية ويحتفي بها احتفاءً خاصاً يقول فيه كما ورد في كتابه عن «النقد الذاتي»: إن واجبنا يقضي علينا بتأييد الحرية ونشر دعوتها، ولذلك لا يمكننا أن نكبت أي تيار من التيارات أو نمنع الاستماع لدعوة من الدعوات، بل يرغمنا واجبنا نحو التفكير على ترك الناس ينظرون ويتدبرون بأنفسهم في كل ما يعرض لهم من الآراء أو يعن من النظريات، ويصل انتصار الفاسي للحرية ذروته بقوله في كتابه المشار إليه: إذا كانت الحرية ستحرقنا فلنفعل فإنها على كل حال خير من الضغط ومن التغذي بأفكار تنظمها عبادة القوة أو عبادة المال.. وغداً نواصل