جاء في كتيب «حقوق الإنسان والانتخابات» الصادر عن مركز حقوق الإنسان بجنيف: لكل شخص حق المشاركة في ادارة الشؤون العامة لبلده إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية، ولكل شخص بالتساوي مع الآخرين حق تقلد الوظائف العامة في بلده، وارادة الشعوب هي مناط سلطة الحكم، ويجب ان تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دورياً بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري او بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت، فهذه النصوص وغيرها تعتبر من معايير حقوق الإنسان الدولية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في ما يتصل بالانتخابات، ومن المهم جداً نشر المعلومات الخاصة بشروط واستحقاقات وكيفية إجراء انتخابات حرة ونزيهة في بلد تطحنه النزاعات وينزح الملايين من ابنائه عن مساكنهم بسبب الصراعات المسلحة وتهدر ثرواته وامكاناته بداراً واسرافاً واختلاسات، مما وثقته تقارير المراجع العام السنوية. والكتيب المشار اليه يشرح الجوانب القانونية والتقنية للانتخابات وجوانبها المتصلة بحقوق الانسان، ومن المهم الاطلاع على هذا الكتيب من قبل الكل للوقوف على معضلة الانتخابات المزمع اجراؤها في بلد كالسودان يعج بالتناقضات والصراعات والازمات وتتضارب فيه رغبات الحكام ما بين راغب في احداث تغيير جذري ينهي اولاً كل اشكال الخلافات بين ابناء البلد الواحد، ثم بعد ذلك يجلس الناس جميعاً ليتراضوا على نظام قومي يجمع شتاتهم ويوحد كلمتهم، ما بين من ذكرنا وبين لاهث وراء اجراء انتخابات في ظل اوضاع غير ديمقراطية ولا تتسق والمعايير الدولية المتراضى حولها في ما يلي مسألة اجراء انتخابات.. وفي رأيي ان الدوافع وراء الدعوة لإجراء انتخابات في ظل اوضاع غير ديمقراطية تكمن في امرين، الاول الرغبة الاكيدة من البعض في الاستمرار في الحكم وموافقة مواقيت الانتخابات والزعم بأن اجراؤها ضروري حتي لا يحدث فراغ دستوري، والثاني ان الرغبة في اجراء انتخابات تجيء للتودد لبعض قوى الضغط الدولية بالزعم أن الحكومة ترغب في التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع، ويطلبون بموجب ذلك تمويل الانتخابات من المجتمع الدولي واستقدام بعض المنظمات الدولية المنتقاة بعناية لمراقبة الانتخابات. إن الانتخابات قبل ان تكون مجرد صناديق اقتراع «بعضها سحري بالطبع بحيث تتوفر فيه اوراق اكثر من عدد الناخبين في الدائرة الانتخابية المعلومة» ولوائح انتخابية وملصقات حملات انتخابية وتجميع لأموال الداعمين تعتبر في ذات نفسها احداث تدور في مجال حقوق الانسان، وتبقى بعد ذلك الاختلافات حول الكيفية، ولكي تكون الانتخابات حرة ونزيهة ومرغوب فيها ويشارك فيها الجميع ويعترف بها الجميع بما في ذلك المجتمع الدولي، لا بد من إجراء الانتخابات في جو تحترم فيه حقوق الإنسان الأساسية وحق المواطنين في التنظيم وحق القوى السياسية في إقامة الندوات السياسية والنيل من الخصوم وفق حرية التعبير دون التعرض للاعتقال على خلفية الآراء السياسية، ومن المهم الإشارة هنا الى انه لا توجد خطوط حمراء او صفراء فاقع لونها تحد من ممارسة حرية التعبير، طالما ان هنالك قوانين تحفظ حقوق الآخرين، أما ممارسة التقييد والاعتقال فهي تدلل على عدم وجود المناخ الملائم للانتخابات، وبالتالي سيكون إجراؤها قسراً جريمة لا يمكن السكوت عليها او الاعتراف بها. وإذا كانت هنالك خطوات عملية في بلد كالسودان مثلاً يزعم حكامه بأنهم يريدون الحوار الوطني مع الفرقاء كافة قبل ان يحرموا البعض من شركاء الوطن منه أخيراً وقبل أن ينجح الحوار في توحيد كلمة السودانيين، يبدو من المستغرب جداً أن تقفز فجأة فكرة إجراء انتخابات في ظل اوضاع مضطربة وازمة اقتصادية طاحنة وصراعات وحروب اهلية وتمزق في النسيج الاجتماعي على خلفية الحروب الدائرة بين السلطة والقوى المعارضة.