تحت عنوان :«هكذا تحدث الشيخ الغزالي» كتب المفكر المصري والإسلامي الأستاذ الدكتور محمد عمارة رئيس تحرير مجلة «الأزهر» الشهرية الصادرة عن مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، في افتتاحية عددها الأخير عن شهري ذي القعدة وأغسطس الجاريين أنه: قبل نحو عشرين عاماً رحل عن عالمنا الفاني في اليوم التاسع من شهر مارس 1996م شيخنا الجليل محمد الغزالي الى دار البقاء. وقد كان - رحمه الله - يعرِّف الإسلام فيقول عنه:«إنه قلب تقي.. وعقل ذكي». ولم يكن الشيخ الغزالي مجرد عقل مجتهد ومجدد.. ولا مجرد داعية حامل لهموم الأمة. ومرابط بفروسية على ثغور الإسلام على امتداد خمسين عاماً ترك لنا فيها قرابة ستين كتاباً وغير ذلك من المقالات والخطب والمحاضرات والحوارات، التي ستبقى ديواناً للجهاد الفكري في سبيل النهضة والاستنارة والتقدم والتجديد، وجامعة للفكر الإسلامي تتربى فيها الأجيال.. وإنما كان مع ذلك قلباً نورانياً عاش في سناه عارفوه الذين أسعدهم الله بالاقتراب منه. وتحت عنوان: «أمم فاقدة الوعي» نشرت المجلة في عددها المشار إليه مقالاً من مقالات «كنوز من السنة» التي كان يكتبها الإمام الغزالي أثناء حياته ذكر فيه انه: لا بد أن نصارح بان الضمير المعتل والفكر المختل ليسا من الإسلام في شيء، وقد انتمت الى الاسلام اليوم أمم فاقدة الوعي عوجاء الخطى قد يحسبها البعض أمماً حية ولكنها مغمى عليها، وينتظر ان تفيق؟؟!! ومهما كان التشخيص الطبي لهذه الأمم فنحن نؤكد ان الحياة الإسلامية تقوم على فكر ناضر حيث ان الغباء في ديننا معصية، إذ قال تعالى في سورة الملك: «وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير... فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير».ويضيف المرحوم الشيخ الغزالي في مقاله إن «الغباوة ذنب فردي واجتماعي.. والشعوب عندما تدير ظهرها للوحي تنحدر من الآدمية الى الحيوانية اذ يقول تعالى في سورة الأنفال: «إن شر الدواب عند الله الصم البُكم الذين لا يعقلون».. وأذكر ان أحد الناس قال لي: عيبك أنك تخلط الدين بالعقل!! فقلت له: ويحك، وهل الدين إلا عقل ذكي مستقيم؟، ألم تسمع قول الله تعالى لنبيه «ص» في سورة سبأ: «قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا». ويضيف المرحوم الغزالي: إن الدين الذي لا عقل معه هو الوثنية والتجسيد والتعديد.. أما المسلمون فقد ناداهم الله بقوله في سورة الطلاق: «فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكراً.. رسولاً يتلو عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور». وقد بلغنا محمد الصادق الأمين هذه الآيات ووعي أصحابه وتابعوه كيف عاش وكيف جاهد وكيف نصح للأمة وكيف حصّنها ضد الوساوس والأوهام، وفي سنته المضيئة تراث نفيس وكلمة بالغة شرحت الطريق لمن أراد سلوكه، وما يستطيع ذلك من سُرق وعيهم ونام عقلهم إذ يقول تعالى في سورة قاف: «إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد». ويشير المرحوم الغزالي في مقاله الى أن «عصر الأحياء بدأ في أوروبا مع بدايات القرن السادس عشر للميلاد.. وقد ترجمت العلوم العربية ومهدت الأرض لبذور الثقافة المستوردة وشرعت الجماهير تعرف طريقها وترفع مستواها، وظلت كذلك حتى غزت الفضاء وفجرت الذرة في هذا العصر.. حيث إن الحياة والعلم والنور والمتاع متلازمات في الحضارة الناضجة، وقد أشار اليها القرآن في قوله تعالى في سورة فاطر: «وما يستوي الأعمى والبصير.. ولا الظلمات ولا النور.. ولا الظل ولا الحرور.. وما يستوي الأحياء ولا الأموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور» ويشير الشيخ الغزالي - يرحمه الله - الى قوله تعالى في سورة الروم: «وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون» .. ويضيف المرحوم الغزالي: ان الحياة التي يقدمها الوحي الخاتم ارتقاء كامل بمشاعر الانسان ومواهبه، وارتقاء كامل بحضارة الأمم واهدافها.. والوحي عندنا «روح» يسري في الجماعة فينير بصرها وبصيرتها ويمكنها من علوم الأرض كما يمكنها من علوم السماء، إذ يقول تعالى في سورة الشورى : «وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا» ويشير المرحوم الشيخ الغزالي الى ان مفاتح الايمان بالله لا يهتدي اليها إلا من عرف قوانين الأرض والسماء، إذ يقول تعالى في سورة الجاثية: «حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم.. إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون». ويضيف الشيخ الغزالي - يرحمه الله - أن محمداً «ص» هو الانسان الفذ الذي يستطيع بمنهاجه ان يقود العالم، ويستطيع بسيرته ان يحشد خلفه شتى الشعوب، والقاسم المشترك بينه وبين الناس هو العقل الصاحي والقلب السليم.