أشك أن المؤتمر الوطني لدية مرجعيات منهجية في اختيار الولاة، فمعظم الاختيارات إما لأسباب تتعلق بالموازنات القبلية، أو ربما نتاج بعض الطبخات غير الناضجة أو لرؤية غير متعمقة، فمثلاً يقولون إن المنطقة الفلانية بها تداعيات أمنية لذا فهي تحتاج إما لرجل عسكري أو صاحب موازنات قبلية، وكلها رؤى غير منهجية. فبهذا المنطق، هل إذا كانت الولاية واعدة بطفرة اقتصادية بما تمتلكه من موارد، هل بالضرورة أن يكون الوالي اقتصادياً، وإذا كانت الولاية تشهد تدهوراً في الخدمات الصحية فهل هذا يجوز ترشيح والي يمتهن الطب؟ وإذا كانت التحديات الأمنية تخول تولي المناصب من قبل متخصصين في هذا المجال للجلوس على سدة إدارة ولاية أو قطر لما كان الرئيس الأمريكي مدنياً باعتبار أن الولاياتالمتحدة من أكبر الدول قوة عسكرية ومن أكثرها خوضاً للعمليات العسكرية خارج حدودها، كما تواجه العديد من التحديات الأمنية حتى داخل أسوارها من بعض الحركات الإسلامية التي تقاتلها، ولا شك أن تلك المبررات غير الموضوعية التي أشرنا إليها قد يتم تبنيها أحياناً من قبل بعض التكتلات في تسويقها تساندها بعض الأقلام الصحفية التي أصبح بعضها جزءاً من عملية الترويج ومحاولة تشكيل رأي مؤثر داخل المؤتمر الوطني. ومن غرائب الترشيحات في المؤتمر الوطني أن يتم ترشيح بعض الشخصيات لمنصب الولاة بعد سلسلة متصلة من الإخفاق والفشل، فمثلاً بمنطق التقييم المنطقي لتجربة الوالي عبد الرحمن الخضر في ولاية الخرطوم ما كنت أحسب أن يرد اسمه ضمن المرشحين باعتبار أن الولاية في عهده ظلت تعاني من نفس المشكلات المتعلقة بالخدمات الصحية والتعليمية ومصارف الخريف أو الصرف الصحي أو الطرق ولن يشفع له رصف عدد قليل من الطرق الداخلية بعد سنوات من تربعه على سدة الولاية، إضافة إلى تداعيات قضية مكتبه التي لا نريد أن نعلق عليها هنا. أما في شمال دارفور قد يتعجب المراقب كيف يمكن أن ينال واليها يوسف كبر أعلى الأصوات في مجلس الشورى رغم التداعيات والمشكلات التي واجهت الولاية سواء أكانت أمنية مثل تداعيات جبل عامر أو خدمية، علاوة على قضية ما يعرف بسوق المواسير قبل عدة سنوات، تلك القضية التي شغلت الأوساط الإعلامية كثيراً في ذلك الوقت، حيث أنها تعلقت بإهدار مبالغ مالية بلغت عشرات الملايين من الجنيهات عبر مضاربات وصفت بأنها ربوية وكانت السلطات العدلية قد أوقفت عدداً من المتهمين في هذه القضية شملت ولاية الخرطوم وشمال دارفور، كما حجزت وسائل نقل وحجزت أموالاً وعقارات ومنقولات وتضرر منها عدد كبير من المواطنين. أنني أحسب أن المؤتمر الوطني إذا أراد حركة إصلاح حقيقية فلا بد من تغيير العديد من الأساليب والنهج في التعاطي السياسي فيما يتعلق في اختيار الشخصيات السياسية والتنفيذية وإعمال مبدأ المحاسبة بشفافية والارتكاز على معايير ترتكز على المرجعيات الإسلامية التي ظل يصر المؤتمر الوطني في خطابه دوماً أنه يتمسك بها ولم يتخل عنها، في حين أن الحصاد الفعلي يثير ظلالاً كثيفة من الشك حول صدقية هذه التأكيدات.