الغلو في الإنسان وتقديسه هو بيت الداء ومحور قضيتنا اليوم، وهو اللغز المحير لما يجرى في الساحة الدينية واستصعب حله. كذلك فهو العامل المشترك بين الملل الفارسية المجوسية القديمة والشيعة قديماً وحديثاً، ثم غلاة المتصوفة من اهل السنة. وهو ايضاً صانع الفرقة التي نشكو دوما منها، فكما نشاهد اليوم كل الطوائف الموجودة في الساحة تتنافس وتتصارع فيما بينها لا لشيء الاّ لإظهار من هو الأكثر علواً وقدسية، فتارة نسمع أحدهم وهو يدعي أنه الجليس على العرش المحيط. والآخر يقول انه ما في جبته الا الله «تعالى الله عن ذلك»، وآخر يقول مزهوا متعاليا بانه يضع جميع الخلق تحت ركابه «ركبتيه»، ويستدرك عليه الآخر متحديا له بانه هو الذي يضعهم جميعاً تحت قدميه وليس تحت ركبتيه.. وهكذا اذا بحثنا عن مثل هذه «العنتريات» فلن نقف على ساحل فهي من الكثرة بما لا حصر له عند اهل الطوائف الغلاة، فهل يشكك احد من العقلاء في ان هذا تراث دخيل على الدين الذي عرفناه وورثناه عن الصحابة والتابعين ومن تبعهم؟ وهل يغيب من عقولنا ان هذا هو موطن الداء الذي استعصى علينا علاجه، ومنبع الفرقة التي ضيعت وحدتنا ومزقتنا فرقا وجماعات؟ وهناك سؤال لا بد من طرحه: هل هناك من مدخل لعودة الوحدة المفقودة غير أن نعصف بهذا التراث الدخيل وإزالته من الطريق؟ وفي الختام نتساءل أين هو سعينا الحثيث نحو تحقيق هذه الوحدة التي طالما تحدثنا عنها وعقدنا لها المؤتمرات والندوات، هل ابداً تحسرنا على ضياعها؟ وهل اتهمنا انفسنا جميعاً بالتقصير حيال تحقيقها؟ ام أنه اقعدنا عنها الزهو والعجب بالجماعات بما فيها من نقص وعيوب؟ لماذا لم تتوحد الجهود حيال هذا الامر الخطير؟ لماذا لا يشارك اساتذة الجامعات ببحوثهم في تناول الموضوع وكشفه بالقدر المطلوب، فلربما كشفوا لنا المزيد والمزيد! فهل عجزوا عن ان يأتوا لنا ولو بكتاب واحد عن هذا التراث الدخيل وكشف جذوره التاريخية واثره السلبي في المجتمع لكي يكون الناس على بينة من أمر دينهم؟ والحال كهذا هل المطلوب هو ان نتصالح مع هذا التراث رغم خطورته ونروج له بدلاً من ان نسحب البساط من تحته. والله المستعان