أسطورة دبلوماسية استعصت على المحللين.. تاليران مضرب المثل في البراعة الدبلوماسية.. والدبلوماسي اللبق في عصره.. وهو الذي أعان نابليون على الاستيلاء على الحكم، ثم استوزره نابليون سنين طويلة وبعد اختلافهما سبّه نابليون سباً مقذعاً أمام الملأ..!! ماذا فعل تاليران؟ هذه أحد مواقفه العجيبة التي حيَّرت المحللين تقول: في سنة 1809 حدث اختلاف واضح بين نابليون ووزير خارجيته تاليران بعد أن كانا «سمنة على عسل» والسبب في ذلك رأي «تاليران» المناهض لسياسة نابليون التوسعية التي يرى أنها تتعارض مع مصلحة فرنسا مما يجعل نابليون يكره «تاليران» ويناصبه العداء بالرغم من معرفته بقدراته الخارقة كدبلوماسي نادر لا مثيل له في ذلك العصر. ثم تأتي تلك اللحظات التاريخية التي فقد فيها نابليون أعصابه وفي مجمع عام وكبير صب نابليون سيلاً من الشتائم الجارحة لتاليران استمرت لمدة نصف ساعة دون انقطاع. في ذلك الوقت كان تاليران متكئاً في عدم اكتراث على منضدة خشبية وهو يستمع لنابليون يشتمه أمام الملأ حتى أنه لم يترك نقيصة أو جريمة ولا خيانة أو جبن إلا وقذف بها «تاليران».. وقال عنه أيضاً إنه لص واتهمه بالقتل ووو.. والشيء الذي جعل نابليون يضيق أكثر هو صمت «تاليران» التام والثبات وعدم الاكتراث الذي أبداه تجاه تلك الإساءات الخطيرة.. بل إن نابليون أخيراً لما أحسّ بذلك الاستفزاز وصل للحد الذي وصف «تاليران» بأنه «أعرج» وأكملها بعبارة أنه «قذر».. ثم رفع قبضة يده وكاد يضرب بها «تاليران».. ولم يتحرك تاليران أو يهتز حتى أن ذلك الموقف من نابليون لم يحظَ باستحسان الحضور واعتبروه تجاوزاً غير لائق بنابليون.. تُرى ماذا حدث بعد ذلك من تاليران البارد؟!.. العبارة الوحيدة التي قالها تاليران وهو منصرف: «من دواعي الأسف أن يكون رجل عظيم سيء التربية إلى هذا الحد!!». ثم تمر الأيام ويرجع نابليون متأسفاً لما حدث لكن الجفوة استمرت بينهما. وما يروى عن مواقف تاليران الدبلوماسية قوله: ما تخليت عن حكومة خدمتها إلا تخلت هي عن نفسها.. لذلك فإن «تاليران» احتفظ بشخصيته واستقلال تفكيره أمام شخصية نابليون العنيفة وقال «تاليران»: كنت أحافظ دائماً على مصالح فرنسا أكثر من مصالح الأشخاص مهما كانوا ومن مقولاته: «أود أن أبطل اعتقاداً شائعاً أن الدبلوماسية ليست الغش والخداع».. ومقولته هذه ثمرة تجربة طويلة.