كثيرون في غرة هذا الشهر الكريم يقرأون ويتدبرون سورة البقرة، حيث قصة بني إسرائيل والبقرة، فقد شرح القرآن كيف تعنتوا وعقدوا الأمور، وهم يماطلون في تنفيذ الأمر الرباني.. في هذا الأثناء أعلنت حكومة جنوب السودان إلغاء المحادثات المباشرة احتجاجاً على غارات جوية مزعومة على أراضيها.. ليس هناك سوداني إلا وهو مقتنع تماماً بعدم جدية جوبا واتباعها سلوك بني إسرائيل، وهي ليست بعيدة اليوم من شيمون بيريز وبنيامين نتينياهو.. عندما يلتقي وزير دفاعنا بباقان أموم، فإنه يلتقي في حقيقة الأمر نتينياهو بكل ما يحمل من خبث وعنجهية، وعندما يلتقي رئيس الجمهورية سلفا كير فإنه يلتقي شيمون بيريز بكل صلفه ومكره وغبائه السياسي. لقد مكث سيدنا موسى عليه السلام في قومه (بنو إسرائيل) يدعوهم إلى الله إلا أن لجاجتهم وعنادهم بدا ظاهراً في قصة البقرة، ولم يكن موضوعها يقتضي كل تلك المفاوضات بينهم وبين سيدنا موسى.. وتقول القصة إن أحد بني إسرائيل كان غنياً جداً، وكان له أبناء أخ يحقدون عليه لغناه، فتآمروا على قتله وسلبه ماله، فقتلوه في ظلام الليل دون أن يشعر بهم من أحدٍ إلا الله.. ثم أرادوا أن يخفوا جريمتهم، فتباكوا في الصباح على عمهم، وذهبوا إلى موسى نبي الله، وأخبروه، وتحاكموا إليه ليبحث لهم عن قاتل عمهم.. فأوحى الله إلى موسى بأن يأمرهم بقتل بقرة، وأخذ شيء من أعضائها، وضرب الميت بها ليقوم ويخبرهم بقاتله.. فقال لهم موسى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً) ولو ذبحوا أي بقرة لانتهى الأمر ونفذوا الطلب، لكنهم تعنتوا وتشددوا مع نبيهم، وقالوا: (أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً).. ثم مضوا في طريق التعنت قائلين: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ).. فقال: (إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ) أي: ليست بالكبيرة المسنة، ولست بالصغيرة البر، بل بينهما.. فتعنتوا أكثر وأكثر، وقالوا: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا).. فقال: (إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ).. فذهبوا ثم عادوا وقالوا متعنتين: (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا).. قال: (قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ) أي: ليست مهيئة للزرع ولا للحرث، فهي معززة، أي: لا تحرث ولا تزرع.. ثم قال: (مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا) أي: ليس فيها علامات تخالف الأصفر الفاقع.. فكلفهم عنادهم ومماطلتهم الكثير.. فما دام أولئك أجداد نتينياهو وبيريز، فإن حلفاء الأبناء من أمثال باقان وسلفا سيكونون مثلهم، أو شراً منهم في التعنت والخبث. جوبا وهي تماطل وتتعنت؛ مطمئنة لأنها تجد الحماية من المجتمع الدولي الذي بارك قرار مجلس الأمن (2046).. ذلك القرار الذي قصد منه تحجيم القوات المسلحة ومنعها من أداء مهمتها المقدسة في حماية الوطن.. قواتنا لم تقصف أراضي دولة الجنوب، بل كانت في مهمة لوقف تحركات المتمردين الذين تخطوا حدود (1956) منطلقين من دولة سلفا كير.. المجتمع الدولي ممثلا في أذرعه الإعلامية تلقف الاتهامات الجنوبية وبدأت فرانس برس خبرها بقولها: (اتهم جنوب السودان من جديد السودان بقصف أراضيه، وتساءل ما اذا كانت الخرطوم تسعى إلى حرف عملية المفاوضات المباشرة الهشة التي استؤنفت أخيراً بين البلدين عن مسارها).. صياغة خبيثة ومتحيزة ستمهد لمجلس الأمن لإصدار مزيد من القرارات الظالمة.. الصحيح أن دولة الجنوب تعتدي على السودان بدعمها الحركات المسلحة التي تنطلق من أراضيها (على عينك يا تاجر). • آخر الكلام: نذكر أنه بعد خراب سوبا ووقوع هجليج في قبضة عصابة الجيش الشعبي انتبهت الحكومة إلى أن العلاقة مع جوبا تحتاج إلى استراتيجية؟!.. حينها أدركنا لماذا أُحتلت هجليج؟.. عبثية التفاوض والحرب هذا هو العنوان المناسب لما يجري اليوم بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية الواضحة للتعامل مع دولة جنوب السودان.