شرب العاملون بالدولة المقلب، وصرفوا أيضا راتب شهر فبراير دون الزيادة في الحد الأدنى للأجور ! القرار الذي صدر برفع الحد الأدنى للأجور، لتصبح 425 جنيها، وهو أجر لا يغني ولا يسمن من جوع .. صدر في نهاية ديسمبر الماضي من رئيس الجمهورية، بعد تمرير ميزانية الدولة من البرلمان ومجلس الوزراء دون تضمين أي زيادة في الرواتب، ما أدى إلى احتقان تأخر كثيرا، كان طرفاه اتحاد نقابات عمال السودان من جهة، ووزير المالية من جهة أخرى .. انتهى بتلويح غير مسبوق طوال ربع قرن تقريبا .. بالدخول في إضراب من قبل الاتحاد . زيادة الحد الأدنى للأجور .. جاءت بتوصية من لجنة قام بتكوينها رئيس الجمهورية عقب الأزمة التي استمرت قرابة الشهرين بين الاتحاد ووزير المالية، حيث وقف الوزير في وجه أي زيادة .. مبررا ذلك بأنه يرفع التضخم، وأن الزيادات تتطلب رفع الدعم عن الوقود .. في خطوة بدت تعجيزية أمام إقرار الزيادة في المرتبات . وفي وقت بدت فيه المواجهة حتمية بين الاتحاد والمالية، حيث فقد فيه الاتحاد أي فرصة للتفهم أو التفاهم .. بعد أن بدأت القواعد نفسها تتساءل عن مدى جدية الاتحاد في المطالبة بالزيادات .. في ذلك الوقت .. كانت اللجنة المكونة لإنقاذ الموقف، تسابق الزمن لتحول دون وقوع الإضراب، بتداعياته التي تخطر على البال أو لا تخطر أبدا ! اللجنة أنقذت الموقف، وأوصت بالزيادات، وصدر قرار رئيس الجمهورية بتنفيذ التوصية بدءا من نهاية يناير في السنة الجديدة التي بدأت منذ شهرين، وهكذا تنفس الجميع الصعداء، فلا الاتحاد اضطر لقرارات لا يريدها، ولا وزير المالية اضطر لتحمل تبعات قرار كان له تحفظاته المسبقة تجاهه. لكن القرارات شيء، والتنفيذ شيء آخر، وهو ما كان الكثيرون يلمحون له همسا، دون أن يرفعوا عقيرتهم به، أملا في أن تسير الأمور في اتجاهها الصحيح، ويتم زيادة الأجور دون تلكؤ، و(يا دار ما دخلك شر) . لكن التلكؤ حدث، شأن كل شيء يجري في السودان، ومر شهر يناير بأكمله دون إثبات الزيادة في الرواتب، وها هو شهر فبراير انقضى .. دون دخول مليم لجيوب العاملين، وعلامات الاستفهام تتصاعد عن جدوى القرارات التي لا يتم تنفيذها على أرض الواقع، أو يتم تنفيذها بعد سل الروح، في حين أن متطلبات الحياة لا تصبر على من يريد اللقمة، أو ينتظر جرعة الدواء، أو يتطلع لتيار كهربائي او حتى رشفة ماء !! مصيبة السودان تتمثل في بعض جوانبها باللجان، فهناك لجنة لدراسة الزيادات، وهناك لجنة خاصة بالنظر في الأجور، والناس تتقلب على الجمر .. في حين تدرس اللجان بتمهل ما يمكن عمله، والدولار يرتفع ويرفع معه كل صباح كل مقومات الحياة من الألف إلى الياء . بعض الأخبار تقول إن مارس الجاري سيكون شهر الحسم، وان الزيادات ستطبق فيه بأثر رجعي أي بدءا من أول يناير، وحتى لو حدث ذلك فإن الضرر قد وقع، فما كان يشتريه الجنيه قبل شهرين .. ليس هو ما يشتريه الجنيه في نهاية مارس . العمال شربوا المقلب، وباتوا تحت رحمة التنفيذ، والذي لن يمحو ما وقع عليهم من ضرر، حتى لو جاءت الزيادات المتلكئة بنهاية مارس .