العلاقات بين السودان ومصر تمتد لقرون طويلة، متجذرة في الجوار والمصير المشترك. وقد جاءت موجة اللجوء السودانية الأخيرة، عقب اندلاع الحرب في أبريل 2023، لتؤكد عمق هذه الصلات وتجذرها في الوجدان الشعبي والرسمي معًا. فالسوداني في مصر لا يشعر بالغربة، لأن البيئة الثقافية والاجتماعية متقاربة جداً، والعادات والتقاليد فيها الكثير من التشابه، واللغة والهوية الإسلامية تشكلان نسيجًا موحدًا. لذلك يجد اللاجئ والمهاجر السوداني نفسه فورًا في بيئة مألوفة، وكأن القاهرة والجيزة احتضنته كالأهل والجيران. وحتى مع وقوع بعض الحوادث الفردية، فإنها لا تمثل القاعدة، ولا تنال من عمق العلاقة بين الشعبين. هذه الألفة المتوارثة ليست مجرد عاطفة، بل يمكن أن تتحول إلى رصيد إستراتيجي إذا أُحسن توظيفها. فالجالية السودانية في مصر تملك كفاءات وخبرات كبيرة يمكن أن تكون عنصر دعم حقيقي للاقتصادين معًا. ومن المهم دمج رجال الأعمال والمختصين في مشاريع إنتاجية ولوجستية مشتركة، خاصة في الزراعة والصناعات الصغيرة والمتوسطة، لخلق قيمة مضافة تعود بالنفع على البلدين. وعلى الصعيد الاجتماعي، يجب الانتقال من التعايش إلى الدمج الثقافي الفاعل، عبر توحيد بعض المناهج الدراسية، وتشجيع الإنتاج الإعلامي المشترك، وتنظيم فعاليات ثقافية تعزز الترابط بين الأجيال الصاعدة في وادي النيل. وفي هذا السياق، برزت مبادرات نوعية مثل منتدى مراكز الفكر المصرية والسودانية الذي نظمه مركز مسارات للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، تحت عنوان: «دور مراكز الفكر في مواجهة مخاطر التقسيم وتعزيز استقرار السودان». أطلق المنتدى مبادرة مسارات لدعم الكوادر البحثية السودانية، الهادفة إلى تمكين الباحثين وإنشاء شبكة فكرية مشتركة، بما يسهم في بناء رؤية جديدة للعلاقات المصرية السودانية تقوم على المصالح والاحترام المتبادل. هذه المبادرات تؤكد أن الفكر والعمل المشترك يمكن أن يكون رافدًا حقيقيًا للشراكة الاستراتيجية بين البلدين. لقد أثبتت المناقشات أن الفكر هو أداة التنمية الحقيقية، وأن العلاقات بين البلدين يجب أن تنتقل من الشعارات إلى الممارسة العملية، ومن العاطفة إلى الإدارة الذكية للشراكة. فالسودان يمثل لمصر عمقًا استراتيجيًا وسوقًا واعدًا ورافدًا للأمن الغذائي، فيما تمتلك مصر خبرات مؤسسية يمكن أن تدعم السودان في إعادة الإعمار وبناء الدولة الحديثة. ما يجمع البلدين أكبر من السياسة، فهو تاريخ ونهر ووحدة مصير. وفي هذا الإطار، لا مناص من سعي الجانبين إلى إحياء وتطوير اتفاقية الحريات الأربع لتصبح إطاراً شاملاً يخدم المصالح الحيوية للبلدين. وكما يقول المثل السوداني: «جارك القريب ولا ود أمك البعيد»، فإن مصر بالنسبة للسودان ليست مجرد جار، بل شريك في الأمن والماء والمستقبل. والتحدي اليوم هو تحويل هذه الألفة إلى شراكة استراتيجية متكاملة، عبر برامج اقتصادية وثقافية ومؤسساتية ملموسة، تحفظ مصالح الشعبين وتعزز الأمن والاستقرار في وادي النيل والإقليم بأسره. عميد شرطة (م) عمر محمد عثمان إنضم لقناة النيلين على واتساب Promotion Content أعشاب ونباتات رجيم وأنظمة غذائية لحوم وأسماك