ذات عام أرسل جسمي إشارات تفيد بأنه يعاني من خلل ما، ولأن جسمي لا يستأهل التدليع، فقد تجاهلت تلك الإشارات، إلى أن انطلقت صافرات الإنذار فاضطررت إلى اللجوء إلى الطب فتم احتجازي في المستشفى، ولم أكن مغتماً لذلك كحالي في مرة سابقة، عندما امتهنوا كرامتي وشرفي بحجة فحص أمعائي بالمنظار وكأنه درب التبانة، ولكنني كنت متضايقاً من احتمال إرغامي على أكل طعام المستشفى الذي يخيل لي أنه اختراع إنجليزي محض، فليس سوى الإنجليز من يقدر على إعداد وجبة من الخضراوات تجد طعمها مثل طعم فوطة أفرغ فيها صبي فوق العاشرة مثانته، ثم يزعمون أنها وجبة صحية، وأكل المستشفيات يذكرني بمريم فخر الدين التي لا تستطيع أن تقرر من نبرات صوتها إذا ما كانت سعيدة أم حزينة أم مفرفشة، فلديها نبرة واحدة (مونوتون) لكل المواسم والأفلام، وفي المستشفى لا تستطيع أن تعرف إذا ما كان الطعام الموضوع أمامك يتألف من لحم الدجاج أو ألياف زجاجية أو مناديل الورق مغموسة في المايونيز خالي الدسم .. كانت ابنتي مروة قد بثت الرعب في قلبي بقولها، ان الورم الذي ظهر فجأة في فخذي نشأ عن تكلس فولي، وشرحت في لغة علمية «وبما أنك تدين بحياتك للفول فإن جسمك مشبع بحامض الفوليك - dica ciloof وهو غير ال - dica cilof الذي يسبب فقدان الذاكرة، والغباء اللا إرادي. وما لم تقم يا أبي باستئصال ذلك الورم فإن أعراض الفوليزم ستظهر عليك وتنتقل منك إلينا ونصبح أضحوكة المجتمع»، .. وما كنت سأصدق مروة تلك التي سلمتها بيدي الماجستير في غضب الوالدين مع مرتبة الشرف من جانب الأب، لولا أنني أعرف جيداً تأثير الفول على القوى العقلية والطبقة العاملة، وأعرف أن في مقاطعة يوركشاير الإنجليزية مشروعاً بريطانيا يابانيا مشتركاً لدراسة تأثير الغازات الناتجة عن أكل الأبقار للفول على طبقة الأوزون، توطئة لإعلان الفول مادة محظورة دوليا، وهكذا سلمت نفسي صاغراً لمباضع الجراحة التي أشبعت جسمي تقطيعاً وترقيعاً، وقد سمعت وأنا بين اليقظة والمنام جراحاً ملثماً يقول: ما رأيكم لو نقطع جزءاً من أنفه ونتبرع به للثوار الشيشان.. المهم تلك التجربة أقنعتني بأن الجراحين هم أفضل فصائل الأطباء لأنهم يفعلون بجسمك الأعاجيب وأنت غائب عن الدنيا تماماً، ولكنني لا أنصح عدواً أو حبيباً بإجراء عملية البواسير، ليس فقط لأنها غير مشرفة، ولكن أيضاً لأن عذابها يبدأ بعد الإفاقة من التخدير ويستمر عدة أيام،.. المهم: أجريت العملية بنجاح وفتحت عيني لأجد تلألؤا من الشوكولاتة حولي، ولكنني كنت أعرف أن كل سلة شوكولاتة لا تحوي أكثر من ثلاثين حبة يتم لصقها بطريقة فنية على تل من الأوراق المستعملة، بحيث تبدو كأنها طن كامل. ثم اقتربت مروة مني ورفعت أمام ناظري قصاصة قرأت عليه عبارة: «لماذا أكره جعفر عباس» فحسبت بادئ الأمر أنها قامت بإعداد وإخراج تلك القصاصة باستخدام الكومبيوتر لتداعبني، ولكنني لمحت إلى جانب العبارة صورة الست نبيلة عبيد، فأدركت أن مروة وسعت نطاق تحالفاتها ضدي.. ثم بدأت زوجتي التي هي في الوقت نفسه أم مروة في قراءة مقتطفات مما كتبته بنت عبيد في عدد ذلك الأسبوع من مجلة «المجلة» التي كنت أكتب فيها مقالا أسبوعيا. واختتمت القراءة بقولها: نبيلة طلعت بنت أصول.. مش زيك يا أبو رقع وكلاكيع... كانت المجلة تحمل مقالا من صفحة كاملة بتوقيع نبيلة عبيد تعلق فيه على رغباتي المتكررة في الاقتران بها على سنة الله ورسوله، ورغم البكش والدبلوماسية في المقال فقد غدرت بي بنت عبيد، لأنني «تهزأت» من قبل زوجتي ومروة. [email protected]