السمنة هي اكبر خطر يواجه البشرية خلال العقدين القادمين، فبسبب وفرة وسائل الراحة والرفاهية تنوعت عينات الطعام ووسائل إعداده، وصار الناس أقل حركة وأقل ميلا الى ممارسة الرياضة، وإلى ما قبل عشرين سنة كانت البدانة متفشية فقط في أوساط الشبعانين أي الاغنياء، ولكن ظهور الوجبات السريعة ذات الطعم اللذيذ والمحتوى الركيك ذي السعرات الحرارية العالية، جعل البدانة وباء عاما في معظم مدن العالم، وفي موروثنا الشعبي فإن السمنة دليل عافية ونقول عن الشخص البدين «صحته كويسة»، والكل يعرف ان افضل وسيلة لعدم زيادة الوزن هي عدم الإكثار من الأكل، وانتقاء الأكل بعناية وممارسة قدر من الرياضة، وهي أشياء تسبب ضيقا للكثيرين فالأكل «متعة» وإخضاعه للوغرثيمات والحسابات الدقيقة يفقده عنصر الامتاع، والرياضة نقيض «الراحة»، فالانسان لا يستطيع ان يتريض إلا في وقت فراغه، وفي الحياة المعاصرة وقت الفراغ يكفي بالكاد لأخذ قسط من الراحة، ومن ثم كان طبيعيا ان تتسابق شركات الادوية لانتاج عقاقير تسمح للناس بأن يأكلوا كل ما تشتهيه أنفسهم، من دون ان يتحولوا الى دببة، فبعد الأكل تتحول الكاربوهيدرات الى جلوكوز يوفر احتياجات الجسم الآنية من الطاقة وما يفيض منها عن حاجة الجسم يتحول الى شحم، وهو نفس ما يحدث للبروتينات الزائدة عن حاجة الجسم، ومن ثم بدأ التفكير في عقار يمنع تراكم الدهون في الجسم، وقبل ألفي سنة توصل الارستقراطيون الرومانيون الى طريقة علمية للتخلص من الشحم، فقد كانوا يفتكون على الموائد بالعجول والجواميس ثم يخرج كل واحد من جيبه ريشة نعام جميلة ويضعها في حلقه ويتقيأ. وقبل سنوات قامت شركة روش بتسويق عقار زينيكال الذي يمنع امتصاص الدهون في الجهاز الهضمي، ولكن بعض من يبحبحون في تناول الشحوم ويتركون الأمر برمته لزينيكال، يتعرضون لمواقف بايخة لأن فائض الدهون يتسرب من أجسامهم عبر الفتحة السفلية في الجسم، ولا أظن ان عاقلا يحبذ ان يراه الناس وهو يرشح دهنا من مؤخرته، لأنه وضع كل ثقته في عقار كيميائي! والمشكلة هي ان الكثيرين منا يمارس عادات غذائية خاطئة عامدا، ثم يستعين بأدوية كيميائية لتصحيح الخطأ، فتجد شخصا مصابا بالتهاب حادّ في المصران يأكل الشطة والفلفل الحار ثم «يدِّيها» داسبتالين او أساكول وما شاكل ذلك، وهناك من يعاني من الحموضة او حتى القرحة ويأكل اشياء يعرف جيدا انها ستسبب له معاناة شديدة، ويلجأ بعدها الى التاجاميت او الزنتاك لاسكات الألم (بالمناسبة، يقال إن بعض الأدوية التي تعالج القرحة تسبب قدرا من العجز الجنسي لدى الرجال)، ويعتبر عقار ليبيتور الخافض للكولسترول اكثر الادوية مبيعا حاليا، فالملايين «تلهط» كل ما يرفع الكولسترول ثم «تدِّيها» ليبيتور!! وقريبا سيصبح (اس جي ال تي 2) الذي تقوم بتطويره شركة جلاكسو سميث آند كلاين، مثل الموبايل في جيب كل صغير وكبير، فهي تزعم انه يقوم بخفض كمية الجلوكوز والانسولين في جسمك، مهما مارست الرمرمة التي هي الأكل بلا ضابط او رابط او فرامل!! وإذا كان ما تقوله هذه الشركة صحيحا فإن هذا العقار الذي سيتغير اسمه عند طرحه في الاسواق سينال مجدا أكثر من ذاك الذي نالته الفياجرا! ولكن - على مسؤوليتي - ليس هناك عقار فعّال ضد الكبسة والهريس والمريس والهردبيس والكوارع والمنسف والمزلوطة والمقلوبة والمعصوبة وما الى ذلك من أطباق اسماؤها تسدّ النفس ومحتوياتها تسد الشرايين والأوردة والمسالك البولية وما جاورها. [email protected]