"في البدء يكون الخبز ثم تكون الأخلاق"، و"من يفتح باب عمل يغلق باب سجن"، أليس كذلك ؟! .. هو كذلك، ولكن ماذا تتوقع بشأن معدلات الفقر والبطالة في دولة يقتصر اهتمام حكومتها بالشباب على "تصريحات" مسئوليها – عن خطط هلامية وبرامج عائمة عبر وسائل الإعلام .. ؟! بينما حقيقة تلك المشاريع هي تنازع الاختصاص، وتضارب صلاحيات التوظيف والتدريب بين الوزارات، والنتيجة منصرفات أكثر، ومنجزات أقل .. والمزيد – بالطبع من جموع العاطلين (القادرين على العمل، الراغبين فيه، الباحثين عنه، القابلين بمستوى الأجور السائدة) ولكن دون جدوى، لعدم توافر شرط القرابة الحزبية، أو النسب السياسي، أو الانتماء لجماعة السيد الوزير .. عوضاً عن إهدار أموال هذا الشعب في التظاهر بالعمل، ما هي إستراتيجية هذه الحكومة لمحاربة ظاهرة الشباب العاطل في السودان ؟! .. أين علاماتها الفارقة حتى الآن، في تحسين حال المواطن ؟! .. وكيف لها أن تنجح والمنازعات السياسية تهمين على كل الاعتبارات الأخرى .. ؟ ظاهرة الشاب العاطل في أي دولة كارثة اجتماعية تنتهي بإحدى ثورتين، إما ثورة على القوانين والأعراف والأخلاق (في مصر صارت كلمة عاطل مرادفاً لتعريف المتهم في معظم قضايا السرقة والاغتصاب).. وإما ثورة سياسية تطيح بالنظام الحاكم الذي تسببت سياساته بانتشارها .. ولو قدرت هذه الحكومة خطورة تكاثر أعداد العاطلين، حق تقديره، لشملت كل شاب عاطل بترضية سياسية (الشباب العاطلون هم خام الثروة ووقود الثورة، وليس قادة الأحزاب الذين ما عادوا يملكون من أمر التغيير سوى ثرثرة المنابر والتلويح بما لن يكون) .. أي شاب سوداني هو عند أسرته مشروع استثماري باهظ التكلفة، ورغم الصرف والجهد والكد، يبقى على الواحد منهم أن ينتظر كثيراً وطويلاً قبل أن يتمكن من رد بعض الجميل .. ضع نفسك مكان أي مشروع استثماري يتفرج على انهياره، هل تلومها حينئذ على وساوس الثورة ..؟ من هذا المنطلق، اقترح تأسيس (رابطة العاطلين بالسودان)، والتي يستحق عضويتها كل من ينطبق عليه تعريف منظمة العمل الدولية لمفهوم العاطل، وأن تدعو تلك الرابطة – بالتي هي أحسن! إلى ثورة إحلال وإبدال على مظاهر المحسوبية والفساد الإداري والبطالة المقنعة.. مؤكد أن غريزة البقاء سوف تدفع هذه السلطة – حينها إلى تقطيع معظم أذيالها .. لو قدرت هذه الحكومة أن سنوات الانتظار هي قنابل ثورة موقوتة في أيدي العاطلين لافتدت نفسها بتدخلات عاجلة لضبط الفوضى الوظيفية والعثور على صيغة متوازنة لعلاقة المهنية بالإنتاج .. ولكن من يسمع ..؟ لقد ابتلانا الله بجهاز تنفيذي مثل مسطول النكتة، الذي ظل يلف ويدور طوال الليل حول عمود إنارة بحثاً عن مفتاح بيته الذي سقط في أطراف الحي، وعندما سأله العسس "لماذا تبحث عنه في غير مكانه" ؟! .. أجابهم "في أطراف الحي لا توجد إضاءة كافية"! .. مصائب هذا السودان كلها تقبع في المسافة الفاصلة بين مفتاح القرار وعمود النور ..! أرشيف الكاتبة : منى أبوزيد صحيفة الرأي العام