«الستر والفضيحة متباريات»، مثل واسع الانتشار في السودان، وأجمل ما فيه ان كلماته الثلاث فصيحة، وبارى الشيء يعني تبعه وجاراه وماشاه وسايره، وفي السودان نقول: ما تباري فلان لأنه سيئ الخلق، ونستخدم الكلمة ومشتقاتها غالبا بمعنى تبع يتبع.. ومعنى المثل ان هناك خيطا رفيعا بين الستر والانفضاح، وأنه على من يدرك أنه يرتكب «فضيحة» أن يستتر، وأنه قد يصعب في أحيان كثيرة كتمان الفضائح.. تذكرت المثل وأنا اقرأ حكاية الزوجين البوسنيين سناء وعدنان، اللذين كانا يتغازلان عبر الانترنت بأسماء مستعارة، وكل منهما لا يدري ان الطرف الآخر في المغازلة هو شريك الحياة، وبما ان محترف الغزل يحرص على تقديم نفسه ك«قمة» في الرقة والوسامة وحسن الخلق، فقد أسهب عدنان وسناء في مدح الذات: أنا جعفر عباس وكأني توأمه.. بل هناك من يقول إنني أحلى منه!! بينما سناء بدورها: أنا باميلا أندرسون بس خلقة ربنا مش بالعمليات الجراحية!! حتى أيقن كل منهما أنه وجد في الآخر الحبيب الذي افتقده في «الزوج».. وتصور سعادتهما عندما اكتشفا أنهما يعيشان في نفس المدينة، وبالطبع لم يترددا في التخطيط للقاء يحول حبهما الالكتروني الى حب طبيعي «طالما نحن متفاهمان ومنسجمان في كل شيء وكلانا طرف في زيجة فاشلة».. وتواعدا: طيب كيف سأتعرَّف عليك؟ بسيطة سأرتدي جاكيت بيج وبنطلونا بنّيا وقميصا ابيض ماركة فان هوزن هي: وأنا سأرتدي سكيرت فوق الركبة بقليل، لونه عسلي وبلوزة حمراء فاتحة.. وجزمة ايطالية بكعب عشرة سنتيمترات، وشعري أحمر على أصفر يجنن .. وجاء موعد اللقاء في مقهى ترتاده الطبقات الشبعانة.. ومن البعد لمح كل منهما الآخر وتعرّف عليه من ثيابه، وخفق القلبان: دمدم دمدم.. تكتكتك.. بمبمبم .. وانفرجت الأسارير بالابتسام، ولكن ما ان اقتربا حتى صاحا في تزامن: يا لهوييييي، جات الحزينة تفرح ملقتلهاش مطرح.. خيبة أمل كبيرة ان يخطط شخص ما لخيانة شريك الحياة، ويكتشف ان الطرف الآخر في الخطة هو شريك الحياة نفسه،.. وخلال دقائق كان عدنان وسناء قد اتفقا على الطلاق، وربما عاد كل منهما الآن الى الانترنت ليبحث عن حبيب أو حبيبة بديلين بالمواصفات الالكترونية اللي طلعت فالصو، وهي تحريف لكلمة فولس الانجليزية التي تعني «مزيف». كثير من أولياء الأمور غافلون عن ان أبناءهم وبناتهم الذين قد يكونون ضالعين في غرام الكتروني، يجعلهم يقضون الساعات الطوال في تبادل عبارات الحب والهيام.. وأخطر ما في الحب الالكتروني ان يتوهّم طرف أنه غارق بالفعل في الحب، ويقرر تزويد الحبيب بصورة فوتوغرافية شخصية.. كثير من هذه الصور تجد طريقها الى مواقع البورنو بعد التلاعب بها، وقد تصبح أداة للابتزاز. هل تذكرون حكاية حكم كرة القدم البرازيلي الذي كان يذاكر من خلف ظهر زوجته، أي يقيم علاقة مع أخرى من دون علم الزوجة قبل نحو خمس سنوات نزل صاحبنا الى الملعب وطفق يصفر ويزمجر لضبط المباراة وفق القوانين السارية،.. ثم اعتدى لاعب على آخر وكان لا بد من طرده من الملعب بإبراز البطاقة الحمراء.. وكانت المباراة متلفزة وأخرج الحكم ال...... حمراء، ولكنها لم تكن بطاقة، بل قطعة ملابس داخلية نسائية.. وعاد الى البيت فأخرجت له زوجته بطاقة حمراء حقيقية، وطردته من البيت ومن حياتها، وعندها أدرك صاحبنا معنى المثل السوداني «السترة والفضيحة متباريات»، ولنتذكر «إذا بليتم فاستتروا» وأن هناك خيطا رفيعا بين التواضع والضعة أي بين ان تكون متواضعا وأن تقبل الإهانة والإذلال فتكون وضيعا. زاوية غائمة: صحيفة أخبار الخليج