والله العظيم عجيب هذا البلد.. صدقوني كلما قلت في آخر النفق ضوء.. أجد في آخر الضوء نفقاً.. بالله عليكم هل قرأتم صحف الأمس؟؟ بالتحديد الخبر الرئيسي لغالبية الصحف.. جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة العلاقات الخارجية بالبرلمان (المجلس الوطني).. امسك رأسك وتابع معي تفاصيل الخبر.. نوابنا الكرام طالبوا الحكومة أن (تعيد!!!!!) علاقاتها فوراً مع أمريكا.. وإلاّ.. (التهديد موجه لأمريكا وليس الحكومة).. وإلا اقطعوا عن أمريكا الصمغ العربي. لتركيعها بل (وتركيع العالم أجمع) حسب نص الخبر.!! أي والله.. !! لكن الاستدراك الأكبر الذي توصل إليه نوابنا الكرام.. هو شخص وزير الخارجية.. على وزن حكاية (ارخميدس) الذي جرى عارياً من الحمام وهو يصرخ: (وجدتها.. وجدتها).. قال النواب إنهم اكتشفوا أن وزير الخارجية علي كرتي كان منسق الدفاع الشعبي.. وتساءلوا بكل جرأة: (كيف تقبل أمريكا أن تحاور.. منسق دفاعنا الشعبي الأسبق!!).. أي والله!! هذا ما اكتشفه نوابنا.. فإذا ما غيرت الحكومة وزير الدفاع الشعبي بآخر أنيق من مواليد لندن، ولم ير السودان إلا في العطلة السنوية.. فإن أمريكا ستفتح الأبواب وتقول (هيت لك)!!! سادتي النواب.. حتى لا تتعبوا عقولكم أكثر.. أمريكا مشكلتها معنا والتي بسببها قطعت العلائق وفرضت الحصار الاقتصادي الذي يخنقنا يوماً بعد يوم.. ليست في شخص وزير الخارجية، ولا في شكل الحوار معها.. ولا في أي مفردات أخرى (خارجية!!!).. بل من الأصل أمريكا لا تنظر إلى (خارجيتنا).. هي تنظر إلى (داخليتنا).. أمريكا لن ترفع مقاطعة ولن تطبع علاقات ما دامت هناك حرب في دارفور، وأخرى في جنوب كردفان والنيل الأزرق.. مشكلتنا مع أمريكا داخلية بحتة وليست خارجية.. عندما تتهمنا أمريكا بأننا دولة (إرهابية!!!) فهي لا تقصد أننا (نرهبها) هي.. فهي فتشت وتأكدت أننا أضعف من أن نحترف الإرهاب العالمي الذي نراه في شاشات الأخبار العالمية.. بل تقصد أننا (نرهب) شعبنا.. وإرهاب الشعب هو في تكميم أفواهه.. فلا يقول (البغلة في الإبريق) مهما مدت رأسها من الإبريق ولسانها أيضاً.. و(إرهاب) الشعب ألاّ يستطيع حزب إقامة ندوة سياسية.. إلا الحزب (الرهيب المرهب).. و(إرهاب) الشعب.. أن يرى أمواله منهوبة وأحواله معطوبة.. ولا يستطيع غير الحوقلة والحسبنة.. الحوار مع أمريكا ليس في واشنطون.. هو هنا في بلدنا.. حوار بين الحكومة وشعبها وليس أي أجنبي غريب آخر.. إذا أصبحنا دولة راشدة، القانون فيها هو السيد.. وليس السيد هو القانون.. فإن أمريكا هي التي ستطلب تطبيع العلاقات وتمديد المصالح.. المشكلة فينا نحن هنا.. فإذا كان السادة نوابنا الكرام لا يعلمون فتلك مصيبة.. مصيية أن يعلم الشعب أن نوابه لا يعلمون.. حديث المدينة - صحيفة اليوم التالي [email protected]