نظم مركز الدراسات الأفريقية في جامعة كولومبيا الأمريكية في نيويورك، مناظرة حول دارفور في مساء يوم الأربعاء 14 أبريل بين البروفيسور محمود مامداني، أستاذ الأنثروبلوجيا والعلوم السياسية بالجامعة، و المسؤول السابق بمجلس الامن القومى فى ادارة الرئيس الاسبق بل كلنتون والناشط في مجال حقوق الإنسان جون بريندارغاست، وطرح كل من الطرفين تصوره لطبيعة الصراع ومؤشرات ما ينبغي عمله في الفترة القادمة، فيما أدار المناظرة البروفيسور روزنبيرغ، أستاذ حقوق الإنسان بجامعة كولومبيا، وقد شهد المناظرة جمع غفير من الطلاب والباحثين كما حضرها بعض السودانيين من أبناء دارفور. وطرحت خلال المناظرة عدة تساؤلات من بينها، هل ما حدث في دارفور يعتبر «إبادة جماعية»؟ وهل ساعدت جمعيات المناصرة المعروفة في التوصل لحل للمشكلة أم زادتها تعقيدا؟، هل هددت المحكمة الجنائية الدولية فرص السلام أم هي وسيلة لإقامة العدالة؟ وصور بيرندرغاست مشكلة دارفور من منظور لاجيء من قبيلة الزغاوة أو المساليت أو الفور يعيش في معسكر للاجئين بعيدا عن أرضه وقريته التي قصفها الطيران الحكومي ويعيش على المساعدات من المنظمات الإنسانية ويخشى على ابنته ذات الخمسة عشر عاما من الاغتصاب إن خرجت بحثا عن الحطب بعيدا عن المعسكر بعد أن فقد زوجته ونصف أبنائه في القصف الجوي او غارات الجنجويد. فهذا اللاجئ ليس معنيا بالنقاش حول عدد الضحايا ومن يقف خلف جمعيات المناصرة أو إن كانت مأساته تسمى إبادة أو جرائم حرب. من جهته، فند البروفيسور مامداني الذي أصدر مؤخرا آخر كتبه وكان بعنوان «المنقذ والضحية: دارفور، السياسة والحرب على الإرهاب»، فكرة الإبادة الجماعية في دارفور مستندا على رفض المحكمة الجنائية لها وما قاله وزير خارجية أمريكا باول عقب زيارته من دارفور من أن القانونيين في وفده أخبروه بأن ما حدث ليس أعمال إبادة ثم اضطر للحديث عن الإبادة بعد عودته وتلقي تعليمات من الرئيس بوش بالحديث عن الإبادة الجماعية لاعتبارات تتعلق بالسياسة الأمريكية الداخلية. وأشار البروفيسور مامداني إلى أن مشكلة دارفور لم تبدأ عام 2003 وإنما سبقتها حرب أهلية بين القبائل بسبب الأرض والحواكير والجفاف والتصحر إلى جانب أسباب تعود للعهد الاستعماري عندما قسمت القبائل إلى قبائل متوطنة وزعت عليها الأراضي وأخرى من الرحل بدون أراضٍ. كما فند البروفيسور مامداني الأرقام التي يستخدمها تحالف إنقاذ دارفور استنادا على بيانات وزارة الخارجية الأمريكية التي كلفت لجنة من 12 خبيرا لدراسة التقديرات المختلفة عن عدد الضحايا التي تراوحت بين 400 ألف فيما يذكر تحالف انقاذ دارفور و عدد 70 ألف التي ذكرتها منظمة الصحة العالمية وخلص الفريق إلى أن عدد الضحايا يقدر بحوالى 112 ألف ضحية ليسوا جميعا قضوا بسبب الأعمال المباشرة للحرب وإنما قضى الكثيرون منهم بسبب الأمراض أو الجوع أو المياه الملوثة أو الجفاف . أما مامداني فقد انتقد استخدام تحالف إنقاذ دارفور للرقم 400 ألف دون اهتمام بصحة الرقم. ويقدر مامداني من ناحيته أنه في الفترة ما بين عام 2003-2004 شنت الحكومة السودانية «حربها على الإرهاب» في عمليات عسكرية منهجية ومبرمجة استخدمت فيها الطيران والأسلحة الثقيلة مما أدى إلى وقوع قرابة 50 ألف من الضحايا. وأشار إلى أن القوات الأفريقية حرمت من المال وشنت حملة على أدائها حتى تنتقل قيادة العملية إلى نيويورك وتستبدل قبعات الجنود الخضراء بأخرى زرقاء تحت راية الأممالمتحدة، ورأى في ذلك شكلا من أشكال السعي لتهميش افريقيا هذا إن لم يكن شكلا من أشكال الاستعمار الجديد. وعن تصور حل المشكلة، أشار بريندر غاست المناصر لقضايا أفريقيا، وصاحب حركة «كفاية» لمنع الإبادة الجماعية والفظائع، إلى أن هنالك سانحة دبلوماسية غير مسبوقة تتمثل في إصرار الجميع على ضرورة إحلال السلام في السودان الآن سواء أكان من دول الجوار أو الصين أو روسيا أو الأممالمتحدة أو إدارة الرئيس أوباما المتحررة من الاعتبارات الآيديولوجية والموارد الموجهة للحرب لمكافحة الارهاب. وأشار إلى أنه في مقدور الإدارة الأمريكية التوسط لإيجاد تسوية كتلك التي ساهمت بثقلها في إيجادها لإيقاف الحرب في الجنوب ويعتقد أن قرار المحكمة الجنائية يعتبر عنصرا إيجابيا يمكن ان يستغل للضغط على المؤتمر الوطني والرئيس البشير للقبول بتسوية مرضية في دارفور واحترام اتفاق السلام الشامل مع جنوب السودان وتنفيذه بدون التواء كذلك الاتفاق في الشرق وإفساح المجال لجميع القوى الأخرى في الشمال للعمل السياسي وعدم احتكاره وإقامة انتخابات نزيهة وبعد التقدم في هذه المجالات يمكن استخدام المادة 16 لتعليق قرار ملاحقة البشير أم اذا استمر الرئيس البشير في موقف التحدي الحالي للمجتمع الدولي فإنه يمكن اللجوء للمسار البديل المتمثل في استخدام قدر من القوى العسكرية المحسوبة عن طريق عملية حسنة الإعداد مستفيدة من دروس الصومال ورواندا. أما مامداني فقد رأى أن الحل ينبغي أن يكون من الداخل أو إقليميا إن اقتضى الأمر وجود قوات لحفظ السلام كما أن مسألة التعويضات مسألة متفق عليها وليست موضع خلاف إنما الخلاف هو في حجم التعويضات كما يرى أن العدالة ليس بالضرورة أن تتم داخل قاعات المحاكم وأن هنالك أشكالا أخرى للعدالة الانتقالية جربت في جنوب أفريقيا وغيرها وربما يكون صرف النظر عن مسألة العدالة ثمنا للسلام كما حدث في الاتفاق مع جنوب السودان.