في الابتدائي سمعت لأول مرة مفردة (بعوضة).. *قرنها زميلي – على سبيل المزاح – باسمي تحريفاً ل(عووضة).. *كان لها طنين البعوضة على أذني وغضبت.. *ثم- بعد ذلك – صرت أضحك لها، ثم ابتسم، ثم أرثي لحال قائلها.. *فهو يضحك لها بإعجاب شديد وكأنما (اكتشف ذرتها).. *ثم يُحبط حين لا يرى من جانبي أي رد فعل حيال سخف اعتدت عليه.. *فأنا أسمع هذه الكلمة مذ كنت صغيراً وإلى يومنا هذا.. *وأسمعها بكثرة – هذه الأيام – من تلقاء بعض مناضلي الأسافير.. *أسمعها مقرونة باتهامات تعودت عليها هي ذاتها.. *وبات وقعها عندي- من ثم- مثل سماعي مفردة (بعوضة) سنين عددا.. *إنها اتهامات بالجبن والضعف والتخاذل و(بيع القضية).. *وما ذلك إلا لأنني درجت على أن أضع عواطفي في (ثلاجة المنطق).. *هذا ما تعلمته من الفلسفة والمنطق و(جامعة الحياة).. *فإن تحب شيئاً أو تكرهه لا دخل له بما تكتبه عنه في سياق التحليل.. *وحرارة العاطفة قد تؤثر في برودة الاستقراء.. *وكمثال (طازج) على ذلك ما حدث قبل- وأثناء- الانتخابات الأمريكية.. *وكانت فضيحة مدوية لم تنج منها حتى ال(سي إن إن).. *ولو كنت جاريت عاطفتي أيضاً لما تنبأت بفوز ترمب قبل (8) أشهر.. *والآن كلما تنبأت بفشل حراك ضد الإنقاذ (أُشتم).. *يشتمني (المناضلون) بأكثر مما يشتمون النظام الذي يكرهونه.. *وكأنما توقعاتي هذه تنبئ عن (حبي) لهذه الحكومة.. *أو تعبر عن أمنياتي بألا تنجح أية محاولات لإسقاطها كرهاً في المعارضة.. *أو تعكس حرصي على مصالح ذاتية مرتبطة ببقائها.. *وأنا هنا لست معنياً بتبرئة ساحتي من مثل هذه الاتهامات (العاطفية).. *فهي عندي مثل طنين مفردة (بعوضة) في أذني.. *وسوف أظل أكتب، وأفعل، وأقول، ما أراه حقاً ولا أبالي.. *ومما أراه حقاً أن الإنقاذ فقدت كل (مقومات) بقائها.. *ولا أقول (شرعيتها) لأن الشرعية لا تأتي إلا عبر صناديق الاقتراع.. *ولست ساذجاً- بريالة- كي أقتنع بالنسبة (المئوية) إياها.. *ومما أراه حقاً كذلك، أن المعارضة الحزبية فقدت كل (مقومات) صلاحيتها.. *وأي ظهور لها على مسرح الحراك الشعبي يجهضه فوراً.. *وهذا ما تنبأت بحدوثه قبيل العصيان المدني الأخير، وحصل فعلاً.. *فكل حزب نفض عنه غبار (الخمول) وأتى مهرولاً.. *طيب، ما علاقة هذه القراءة للواقع باتهامات الذين لا يعجبهم قول (الحق).. *وقديماً قال علي كرّم الله وجهه (الحق لم يترك لي صديقاً).. *أما أنا فقد اعتدت على (طنين البعوض!!!). صحيفة الصيحة