لم تمض على تنصيب رئيس الوزراء الإثيوبي الجديد سوى أشهر قليلة، حتى ألقى الشاب صاحب الكاريزما أبي أحمد، حجراً عملاقاً في مياه المنطقة الراكدة حتى غدا أنشودة تردّدها ألسن الجميع، لتتم مقارنته بعظماء غيّروا وجه التاريخ خلال القرن الماضي، وعلى رأسهم الزعيم الإفريقي الراحل نيلسون مانديلا ورئيس الاتحاد السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف، والرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، حتى إنّ صحيفة «غارديان» البريطانية تساءلت واستنطقت: «هل يمكن لأبي أحمد المساعدة على تحويل منطقة تعصف بها الحرب والاستبداد والفقر لبقعة أخرى أكثر أمناً؟». لقد صنع أبي السلام مع الجار بعد عداوة عقود.. لترفرف إعلام إثيوبيا وإريتريا براقة بعد 20 عاماً فوق هامة زعيمين لوّحا بأيديهما للحشود السعيدة، بُعيد انقضاء الاجتماعات الرسمية، وسط عروض باهرة. لقد تكلّل الاجتماع التاريخي في أديس أبابا بين أبي أحمد 42 عاماً وأسياس أفورقي 71 عاماً بالنجاح، وجعل المراقبين الأفارقة فاغري الأفواه بعد إعلان انتهاء الحرب بين الأمّتين. حل نزاع لقد حُلّ النزاع في سرعة خاطفة بعد جولة دبلوماسية مكثّفة أنهت أحد أطول الصراعات في أفريقيا، ما جعل الإثيوبيين يضعونه في أهمية «سقوط جدار برلين»، فيما قوبل الحدث التاريخي بترحاب وسعادة كبيرتين في الجارة إريتريا. أصبح رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد بطلاً قومياً وتغنّى بحنكته الإثيوبيون حتى نصبّوه «صانعاً للسلام». أثار أبي أحمد ومنذ وصوله إلى السلطة في أبريل الماضي، مشاعر الإثيوبيين بأسلوبه غير الرسمي وشخصيته الطاغية وطاقته المشتعلة، ليبدأ بتعديل الحكومة، وتسريح عدد من الموظفين الحكوميين، بمن فيهم رئيس إدارة السجون في إثيوبيا، فضلاً عن رفع الحظر عن المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام الأخرى. وبعزيمة مماثلة أمر أبي أحمد بالإفراج عن آلاف السجناء السياسيين، فضلاً عن الخصخصة الجزئية للشركات المملوكة للدولة، وغيرها من الإصلاحات. سيرة مصلح يعتبر أبي أحمد أول زعيم ينحدر من أكبر مكوّنات إثيوبيا العرقية وهي قبيلة الأورومو، والتي لطالما اشتكت وعلى مدى عقود من التهميش الاقتصادي والثقافي والسياسي. ولد أبي في غرب إثيوبيا، وانضم إلى المقاومة في سن المراهقة قبل التحاقه بالتجنيد في القوات المسلحة الإثيوبية، وبعد أن أمضى فترة ليست بقصيرة في إدارة خدمة الاستخبارات السيبرانية في إثيوبيا، دخل عالم السياسة قبل ثماني سنوات، ليبزغ نجمه سريعاً في صفوف الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي. لعل أبي أحمد يفهم عقلية أبناء جلدته، وبذهنية توازي طموحاتهم وآمالهم، فما لا يقل عن 70 في المئة من السكان هم دون سن الثلاثين. يحمل أبي أحمد شهادة ماجستير في القيادة التحولية والتغيير ودكتوراة في لعب دور الوساطة في النزاعات، متزوج ولديه ثلاث بنات، وهو ممن يحافظون على لياقتهم، حيث إنه دائم التردد على أندية اللياقة البدنية في أديس أبابا.