د. عبد اللطيف البوني يكتب: لا هذا ولا ذاك    الرئاسة السورية: القصف الإسرائيلي قرب القصر الرئاسي تصعيد خطير    وزير التربية والتعليم بالشمالية يقدم التهنئة للطالبة اسراء اول الشهادة السودانية بمنطقة تنقاسي    السجن لمتعاون مشترك في عدد من قروبات المليشيا المتمردة منها الإعلام الحربي ويأجوج ومأجوج    الدعم السريع يعلن السيطرة على النهود    المرِّيخ يَخسر (سُوء تَغذية).. الهِلال يَخسر (تَواطؤاً)!!    سقطت مدينة النهود .. استباحتها مليشيات وعصابات التمرد    الهلال يواجه اسنيم في لقاء مؤجل    تكوين روابط محبي ومشجعي هلال كوستي بالخارج    عثمان ميرغني يكتب: هل رئيس الوزراء "كوز"؟    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خصخصة الميناء الجنوبي .. محطة الحاويات .. وعمالة محطة الحاويات
نشر في النيلين يوم 31 - 03 - 2019

بدءاً أرجو من القارئ الكريم أن يعذرني قبل البدء في تناول هذا الموضوع المهم لاقتصاد السودان بأن أقدم لكم في عجالة نبذة مختصرة عن كاتب هذا المقال كما هو الحال بالنسبة لمقدمي أوراق العمل أو المحاضرات في الاجتماعات الفنية والمؤتمرات أنا محمود إدريس الحبر من المتخصصين أكاديمياً في مجالات العلوم البحرية وفي مجالات هندسة الموانئ البحرية ضمن أوائل خريجي يوغسلافيا السابقة حتى عام 1974م تقلدت عدة وظائف في دولة الكويت في مجال بحوث وتخطيط الموانئ ورئيساً لقسم بحوث وتخطيط الموانئ الكويتية ومن أهم إنجازاتي تعديل واستبدال مخطط مشروع توسعة ميناء الشعبية الذي قامت بإعداده الشركة الاستشارية كود وشركاؤها (coode partners) البريطانية بمخطط بديل يشمل محطة حاويات بدلاً من مخطط لسفن البضائع العامة والصلب وبعد إجراءات واجتماعات عديدة شملت خبراء من منظمة الأوتكتاد (الأمم المتحدة) تم اعتماد المخطط الذي أعدته وأصبح ميناء الشعبية بعد استكماله يحتوي على أكبر محطة حاويات حديثة في الكويت وعلى مستوى دول الخليج وخلال عملي لاحقاً في منظمة الأمم المتحدة الاسكوا (Escwa) قدم لي أحد شيوخ الكويت الزائر لدولة لبنان هدية تذكارية بحضور الأمين العام المساعد لمنظمة الأمم المتحدة ميرفت تلاوي تقديراً لما قدمته في دولة الكويت في مجال الموانئ البحرية علماً بأنني لا أعرفه ولا يعرفني شخصياً.
هذه هي قصة البداية:
وعند البدء في إنشاء محطة الحاويات تم تعيين منسق في محطة الحاويات البريطاني campeter وتعييني مساعداً منسقاً لمحطة الحاويات وكانت المهمة اختيار نوعية إدارة وتشغيل المحطة ذاتياً أو بواسطة شركة تشغيل بعد دراسة كل جوانب الموضوع تم الاتفاق على عدم الخصخصة بل التعيين المباشر لكافة عمالة الإدارة والتشغيل من مديري عمليات ومستندات وصيانة وتدريب من ذوي الخبرة في هذه المجالات والاختيار الفردي لعمالة تشغيل من الفلبين وعمالة ربط وتنسيق الحاويات من الصوماليين كما عملنا ضمن لجان فنية أخرى لاختيار الرافعات القطرية ومعدات المناولة لشاحنات تخزين الحاويات والمعدات الأخرى المكملة لأنشطة نقل الحاويات بالإضافة لاختيار أحد أنظمة التشغيل المعروفة عالمياً في محطات الحاويات.
ويجب الاشارة إلى قيام دولة الكويت بابتعاثي لدورات تدريبية في مجال محطات الحاويات وزيارات رسمية للعديد من الموانئ الأوروبية والآسيوية والأمريكية للاطلاع على أساليب العمل في مجال المناولة الحديثة للمواد الصلب وللحاويات استعداداً للعمل في المناولة الحديثة للمواد الصلب والحاويات في التوسعة الجديدة وكان النجاح فوق التوقعات لمحطة حاويات تعمل بأحدث الأنظمة وبإدارة ذاتية وتكالبت شركات الملاحة الدولية لنيل الموافقة لها في استخدام محطة حاويات الشعبية وعند اكتمال التشغيل بدأنا بإدخال العنصر الكويتي من الجامعيين لإحلال المديرين الأجانب وذلك بعد أن ترسخت أنظمة الإدارة والتشغيل والحركة والإجراءات بشكل ثابت تمكن بعدها الطاقم الكويتي من استلام المحطة على الوجه الأكمل.
ثلاث تجارب في الكويت ومصر واليمن:
وخلال عملي في الكويت عملت كمستشار لإعداد دراسات متعلقة بالنقل البحري و الموانئ البحرية لمنطقة دول الاسكوا ضمن فرق عمل بمنظمة الأمم المتحدة الاسكوا ضمت أحد الكفاءات المعروفة في مجال النقل بالسكك الحديدية زميلي من السودان سليمان عباس وتلى ذلك التحاقي بقطاع النقل بالمنظمة انتهاءً بوظيفة رئيس قسم النقل البحري و الموانئ لدول منطقة منظمة الاسكوا الأمم المتحدة.
قمت خلال عملي بإعداد العديد من الدراسات واجتماعات الخبراء وورش العمل التدريبية بالإدارة الوسطى في دول المنطقة كما قمت بإعداد أول اتفاقية بالتعاون في مجال النقل النهري بين الدول الأعضاء وقامت جامعة الدول العربية باعتمادها كاتفاق للدول العربية في اجتماع وزراء النقل العرب في دمشق بحضور وزير الدولة للنقل في جمهورية السودان وبمعرفة وزيرالنقل آنذاك وتهنئته لي تلفونياً في اجتماع الجامعة وهو السيد السماني الوسيلة وهذه الاتفاقية متوفرة في وزارة النقل حسب علمي وتجدر الإشارة إلى أن الدراسات التي قمت بإعدادها للمنظمة تشمل بصورة عامة التطوير والتحديث في كافة أنشطة الموانئ البحرية من عمليات حديثة وتلوث بحري والعمليات التجارية الجافة والعمل في محطات الحاويات وإقامة المناطق الحرة التجارية والصناعية ضمن منطقة الميناء وقوانين وأنظمة الموانئ وسياسات تعريفة الرسوم والأجور وسبل اعدادها والأنشطة الانتاجية والتقنية الأخرى لاستيعاب عمالة الميناء بعد إعادة تدريبها وتقديم الاستشارات الفنية لدول المنطقة ومن بينها قيامي مع أحد زملائي في قطاع النقل البري بإعداد تقرير فني بناءً على طلب وزير الأعمال المصري لخصخصة الوكالات البحرية وجميعها تابعة للدولة وبناءً على هذا التقرير الفني الشامل تمت مباشرةً خصخصة الوكالات البحرية التي كانت تسيطر على كافة الأنشطة البحرية الخاصة بالسفن القادمة للدولة وكذلك التدخل بفرض رسوم وأجور غير مبررة على البضائع وحراستها داخل أسوار الموانئ مما شكل عبئاً على القطاع الخاص ورجال الأعمال وللآثار السالبة لذلك فيما يتعلق بالمنافسة الدولية للصادرات المصرية كذلك قمت بإعداد دراسة إقامة المنطقة الحرة في ميناء عدن التي وافقت عليها الدولة حتى قيام إعلانها بوسائل الإعلام وإنشائها وكذلك دراسة للقانون البحري لليمن والمساهمة الفعالة في مساعدة فريق عمل في أبو ظبي (الهيئة العامة للمواصلات التي حلت مكان وزارة النقل) لإعداد القانون البحري كمستشار متفرغ بعد التقاعد من الأمم المتحدة في عام 2008م.
خصخصة الميناء الجنوبي استفزاز:
ومن الأسباب التي دعتني لكتابة ذلك الكلام المخجل عن نفسي حيث إنني لم أعتد أن أكتب عن نفسي خاصة وأنني في غير حاجة مادية أو وظيفية إلا أن تصريحات بعض المسؤولين لعدم وجود كفاءات سودانية في مجال الموانئ البحرية لدى الحديث عن أسباب خصخصة الميناء الجنوبي لمحطة الحاويات كان بمثابة استفزاز لنا جميعاً وخاصة زملائي في الدراسة المتخصصة في النقل البحري الملاحي وصيانة السفن وغيرها ، والعاملون في السودان على قمة شركات الملاحة البحرية والوكالات العالمية من ذوي الخبرة العالية في الملاحة البحرية والموانئ البحرية وكذلك زملاء الدراسة العاملين في دول الخليج كمهندسين وقباطنة وقد قابلت بعضهم في إحدى زياراتي الرسمية لدولة الإمارات وهم يقودون أعمالاً في غاية المهنية حيث أطرى عليهم المسؤولون الإماراتيون وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة كذلك لممثلي الوكالة العالمية الآخرين وممثلي المصدرين في التجارة والصناعة في بورتسودان وغيرهم الذين يتمتعون بخبرات كبيرة .
ضعف وضيق أفق الإدارة:
وأعود للموضوع الأهم وهو ميناء بورتسودان وسواكن (عثمان دقنة) وميناء كوستي النهري وأشير بهذا الخصوص للدراسة التي أعددتها ضمن فريق الدراسة الممولة من البنك الدولي بواسطة شركة أمريكية وهي دراسة تمت بناءً على الزيارات الميدانية لمينائي بورتسودان بما في ذلك الميناء الجنوبي وميناء سواكن والوقوف على سير عمليات البواخر والعمليات التجارية من مناولة وغيرها والدورة المستندية وإجراءات الجمارك والجهات الأخرى العاملة في الموانئ والتي تؤثر إيجاباً أو سلباً على كفاءة أنشطة الميناء وقانون وإجراءات الميناء وتعريفة الرسوم حيث قمت بمناقشة كل تلك الأمور مع المختصين في كل هذه الجهات والاجتماع مع ما يسمى بمجتمع الميناء (port community) بحضور ممثلي الوكالات الملاحية والمصدرين وغرفة التجارة والصناعة والمخلصين الجمركيين وغيرهم, وللأمانة لقد تعرضت من خلال مناقشاتهم على معظم المشاكل والعقبات والنقص في موانئ الهيئة كما اطلعت من الجهات المختصة بالهيئة على مخصصات التوسعة والمشاريع المستقبلية لمينائي بورتسودان وسواكن.
بورتسودان وسواكن من أسوأ موانئ المنطقة :
وحيث إنني لا أستطيع اعادة كتابة العقبات التي تواجه الموانئ السودانية حاضراً ومستقبلاً حيث اكتفي بما ورد في الدراسة التي أعددتها سابقاً للبنك الدولي وإلى ما ورد في محاضرة دار المهندس ومحاضرة لجنة النقل مع البرلمان بصورة جزئية كما وأنه نظراً لطول المدة (في حدود عشر سنوات) والتي لا أعتقد بحدوث اختراقات وتطور في أنشطة الموانئ السودانية وذلك بسبب ضعف وضيق أفق الإدارة وعدم توفر الامكانيات المادية إنني أتحفظ كثيراً….. لأن الوضع ما زال كما هو منذ عشر سنوات إذ يعتبر ذلك حكماً غير عادل وبدون دلائل وقرائن فنية متمنياً أن تتاح لي الفرصة مجدداً لدراسة الوضع في مينائي بورتسودان وسواكن كما اعرف انه من غير الملائم طرح تفاصيل ومخرجات الدراسة التي اصبحت من مسؤولية الجهات المختصة وعدم مناقشتها في وسائل الاعلام كي لا يساء فهمها وعدم الاضرار بالمصلحة العامة الا انه من الامانة بمكان وبحكم خبراتي ومعرفتي التامة بكافة موانئ المنطقة لعدد 13 دولة عربية في منطقة غربي آسيا اؤكد بان الموانئ السودانية ميناء بورتسودان وميناء سواكن يعتبران من وجهة نظري من أسوأ موانئ المنطقة باستثناء عدد قليل في ما يتعلق بالتنظيم ابتداءً من بوابة الميناء مروراً بفوضى الشاحنات والحاويات على جوانب الطرقات وضعف معدات المناولة وانظمة التشغيل والاجراءات الخاصة بالضائع والحاويات والتفتيش الجمركي واجراءات الحاويات على وجه الخصوص ورداءة سياسة بنود تعرفة الرسوم والاجور والقصور في سياسات مشروع توسعة ميناء سواكن من التخصيص والتخطيط لمستقبل الموانئ السودانية.
وعلى المستوى الدولي عامة فان تعريفة الرسوم والاجور يتم اعدادها وتطويرها بهدف تسويق خدمات الميناء ولضمان توفير الايرادات لدعم تطوير خدمات الميناء كما يجب ان تحتوي على التسهيلات التي تفضي لتشجيع الصادرات السودانية للقطاع الخاص والعام لخدمة الاقتصاد الوطني على المدى البعيد وليس بالفهم الضيق للحصول فقط على ايرادات اضافية فالصادرات الوطنية في كل الدول تواجه منافسة شرسة في الاسواق الاقليمية والدولية كما يجب ان تكون استراتيجية وزارة النقل والمالية ان انشطة الموانئ وخدماتها ليست في حد ذاتها كمورد مباشر لخزينة الدولة ولكن كخدمات للتجارية الخارجية التي يجب ان تمثل المورد المباشر للعملات الصعبة لخزينة الدولة وهذه السياسة على سبيل المثال مطبقة في هيئة موانئ دبي واذكر انني في احدى زياراتي الرسمية لموانئ دبي بهدف اعداد دراسة عن المناطق الحرة التجارية والصناعية ( جبل علي كمثال) في منطقة دول غربي آسيا لفت انتباهي عدم وجود بند في التكلفة في التقرير الاحصائي لموانئ دبي بما فيها المنطقة الحرة في جبل علي وعند الاستفسار كانت الاجابة لان تكلفة تشغيل موانئ دبي تقع ضمن تكلفة التجارة الخارجية للدولة نظراً لان خدمات موانئ دبي هي اساساً لخدمة تجارة دبي وكذلك فان التكلفة تصدر في تقارير تجارة دبي الخارجية ونظراً لانخفاض تعريفة موانئ دبي عن الموانئ الاخرى المنافسة في المنطقة بما فيها موانئ شبه القارة الهندية فانها تجذب معظم شركات الملاحة لارسال سفنها وحاوياتها عن طريق موانئ دبي لمعظم دول المنطقة والمناطق الاخرى بالاضافة الى سهولة الاجراءات وتوفير متطلبات الشركات الملاحية في موانئها.
تشغيل الموانئ بواسطة هيئات حكومية ذات استقلالية:
ولقد سبق ان قابلت السيد سلطان بن سليم رئيس هيئة موانئ دبي حيث تبين لي ان علوم الادارة ليست كافية انما الرغبة والحماسة والنظرة للمستقبل للوصول الى المستحيل والريادة لم يقم باحضار شركة عالمية لادارة وتشغيل موانئ دبي التي اصبحت من اوائل الموانئ في العالم بالنسبة لمناولة الحاويات بحيث تذهب كل هذه العائدات الى الشركة المشغلة, بل قام بالتعيين المباشر لكافة المديرين والمتخصصين من اوروبا ( وقد سبق ان قابلت بعضهم سابقاً) واحضار احدث المعدات والانظمة الالكترونية للادارة والتشغيل وهكذا تدرجت موانئ دبي حتى وصلت الصدارة عالمياً بل اصبحت منذ عقود مضت احدى اكبر الشركات المشغلة لمحطات الحاويات في العالم وتدير وتشغل موانئ عديدة في جميع القارات ورغماً عن انني لا اعترض على خصخصة محطات الحاويات بالطريقة الصحيحة التي تنقل المعرفة والخبرات وتحفظ حقوق العاملين كاملة الا انني اؤمن بان تشغيل الدولة للموانئ بواسطة هيئات حكومية ذات استقلالية كاملة كما هو في دبي وكما قمنا به في ميناء الكويت سيحفظ للدولة موارد هائلة كان من المفترض ان تذهب للشركات الاجنبية الخاصة التي هي في الواقع تقوم بتعيين ذات الكادر الفني المتخصص لادارة وتشغيل الميناء نيابة عنها والحصول على ايرادات هائلة.
عمال الجنوبي يطالبون بالاستمرار في العمل فقط:
لقد شهدت بنفسي في ميناء بورتسودان خلال الأجواء الحارقة والرطوبة العالية التي لا يعرفها سكان المناطق الأخرى في السودان بأن عمالة ميناء بورتسودان بملابسهم البسيطة التي تتصبب عرقاً وهم يؤدون عملهم, أما إذا كان عددهم زائداً عن حجم العمل فهذه ليست خطيئتهم بل خطيئة وجهل الإدارة في ايجاد منافذ أخرى للعمل في قطاع الموانئ ولن ألتفت لما يقوله البعض من الجاهلين بأعمال الموانئ بأن هذه العمالة غير منتجة وذلك نظراً لضيق أفق تفكيرهم خاصة وأن للهيئة مساحات شاسعة تابعة لها كان من الممكن استثمارها بمشاركة القطاع الخاص السوداني بشروط ميسرة وعوائد ورسوم معقولة بهدف إعادة وتأهيل وتشغيل هذه العمالة التي توصف بأنها غير منتجة منذ سنين طويلة وكذلك المساهمة في تعيين عمالة كفاءات أخرى من منطقة بورتسودان والبحر الأحمر بصورة عامة, حيث كما أسلفت فإن المساهمة في تطوير المناطق التي يقع فيها الميناء أينما كان في العالم هي من أهم أهداف قيام الموانئ البحرية, لقد عملت كمدير عمليات في بدايات حياتي العملية في الكويت وأعرف تماماً شعور ومعاناة عمال المناولة إن كانوا في الكويت أو في السودان.
كما نما إلى علمنا فإن عمال الميناء الجنوبي لا يطالبون برفع رواتبهم أو منحهم حوافز إضافية وكل ما يطلبونه هو الاستمرار في العمل وهو حق مكتسب وحقيقة كنت أعتقد أن العقد يجب أن يتضمن زيادات في الحوافز وفي شروط الخدمة الأخرى (هذا ما تم بالنسبة لعمالة محطة حاويات كبلانج في ماليزيا عند اسناد عقد الخصخصة لإحدى الشركات) منذ سنين طويلة حيث حصلوا على فوائد عديدة جعلت الخصخصة بطلب للعمال أنفسهم وبافتراض قيام الهيئة بإعداد دراسة للميناء الجنوبي قبل الخصخصة للوقوف على حجم العمالة التي يجب استيعابها في حالة الخصخصة (هنا لا أعتقد بأن الخصخصة كانت أصلاً مقبولة من قبل الهيئة بل مفروضة من الجهات العليا غير المختصة) فلماذا التفاوض من شاكلة رجاءً نتقاسم العدد الاجمالي فيما بيننا مع الشركة أو ياخي شيل النص 900 من اجمالي 1800 فهذا والله كبيع البصل وليس التعامل مع بشر أفنوا حياتهم ومستقبلهم بحيث يباع ويشترى فيهم بدون ذنب اغترفوه وإنما تكفيراً لإدارات فاشلة على مستوى الإدارة أو الوزارة ولجان خصخصة جاهلة وغير متخصصة وظالمة.
أسئلة وتساؤلات على الرصيف:
وإقراراً مني بعدم اطلاعي بصورة رسمية على الاسباب والملابسات والاهداف التي ادت الى خصخصة الميناء الجنوبي وتفاصيل العقد الموقع مع الشركة الفائزة فانني اتحفظ في كل ما يتعلق بتفاصيله خاصة وان المعلومات التي وصلتنا كسائر الناس هي من وسائل الاعلام والسوشيال ميديا.
إثراءً للنقاش وتبادل المعرفة والخبرات فهناك بعض النقاط التي اتمنى ان تكون مضمنة في عقد خصخصة الميناء الجنوبي بغض النظر عن ما دار ويدور من لغط حول الشركة الفائزة اذ ان ذلك يرجع لمسؤولية لجنة الاختيار ولهيئة الموانئ ووزارة النقل وليس لنا فيه من ناقة أو جمل هذا وقد وردت بعض هذه الملاحظات في دراسات متخصصة ذات علاقة بمحطات الحاويات وتتطابق مع رؤانا وخبراتنا العملية
هل يحق لهيئة الموانئ استخدام أرصفة الميناء الجنوبي لاغراض اخرى لا تخص الشركة الفائزة بالعطاء اذا رأت الهيئة ذلك وهل للدولة حق في اقامة محطة حاويات او ميناء حاويات غير الميناء الجنوبي مثال ذلك في حالة قيام شركة المناطق الحرة السودانية باقامة محطات حاويات في منطقتها التي تقع في حدود 18 كيلو متراً شمال ميناء سواكن هي يسمح العقد بذلك.
هل تم تضمين بند في العقد المعروض لشركات الخصخصة بمساهمة الشركة الفائزة في حياة ورفاهية المنطقة المقام فيها الميناء الجنوبي وفي هذه الحال منطقة بورتسودان والبحر الاحمر عامة.
الشروط المتبعة في حال قيام الشركة الفائزة في الاستثمار ببناء انشاءات او اعادة تأهيل منشآت بالاضافة للمشاكل التي قد تحدث خلال فترة العقد فيما يتعلق بانخفاض الايرادات اوزيادة تكلفة التشغيل لاسباب عائدة للشركة او عائدة لهيئة الموانئ.
اضراب العمال في ميناء بورتسودان بصورة عامة ومحطة الحاويات بصورة خاصة والوضع الحالي الذي تم فيه التوقيع واضرب العمال عن العمل بل عدم السماح للشركة الفائزة بمزاولة العمل.
هناك امور اخرى مثل مستويات الكفاءة والانتاجية المتفق عليهما وآليات قيادة الكفاءة لمعرفة الانخفاض والجزاءات المتاح فرضها خاصة وان انخفاض الكفاءة فيما يتعلق بالحاويات ومراسي استقبال السفن سوف يؤدي الى تدني عدد السفن الزائرة ولذلك فقدان هيئة الموانئ لايرادات الخدمات البحرية على السفن مثال ذلك رسوم الميناء ورسوم الانارة ورسوم الرصيف بالاضافة الى رسوم التزود بالوقود والخدمات الاخرى مثل الارشاد البحري وكذلك التسبب في سوء سمعة ميناء بورتسودان بصورة عامة في محيط الخطوط الملاحية العالمية. وكما اسلفت فقد كان من المفضل (في حالة عدم قيام ذلك) قيام الدولة ممثلة في هيئة الموانئ او وزارة النقل باعداد دراسة للفوائد والسلبيات لبدائل الادارة والتشغيل في حالة قيام هيئة الموانئ بالادارة والتشغيل الذاتي وفي حالة التعاقد مع احدى الشركات الامنية الاجنبية للقيام بذلك وهو نظام الخصخصة وخاصة فيما يتعلق بالنواحي المادية التي تعود على الهيئة والدولة وتحديد الشروط والواجبات الناتجة عن كلى الخيارين وخاصة فيما يتعلق بموضوع عمالة الميناء الجنوبي.
كثير من الثغرات ستؤدي الى مشاكل كثيرة:
ومن الواضح ان تلك الدراسة لم تتم وان تمت فانها لم تكن بالشكل الطلوب وذلك استناداً على المشاكل التي ظهرت قبل البدء في انفاذ العقد وجعلت الدولة في حيرة فيما يتعلق بالعمالة وربما هناك الكثير من الثغرات الاخرى التي ستؤدي الى مشاكل اكثر خلال فترة العقد.
وبما انني سبق ان اوضحت في الصفحات السابقة ما اعتقده مناسباً خلال الفترة التي يمر بها ميناء بورتسودان من ضعف في العديد من انشطته بما فيها مناولة الحاويات وتداولها في مختلف المراحل في الاتجاهين وهو قيام هيئة الموانئ بادارة وتشغيل محطة الحاويات على اسس مختلفة مما هو متسع في الوقت الراهن وشروط مختلفة لاستقلالية هيئة الموانئ عن روتين الدولة الممثل في وزارتي النقل والمالية .
هذه هي الحلول للخروج من الأزمة:
وفي هذه الحال فان من الممكن قيام الدولة بادارة وتشغيل محطة الحاويات بالشكل الذي قمنا بتطبيقه في دولة الكويت كمثال او المطبق في الموانئ الاخرى التي تديرها هيئات مستقلة تابعة للدولة وذلك كالتالي:
اولاً: اختيار نظام تشغيل اذ هناك عدة انظمة يعتمد اختيار احداها على عدد المراسي والمساحات المتوفرة للمناولة والتخزين المؤقت للحاويات ورافعات الحاويات المتوفرة.
ثانياً: اختيار العدد المناسب من مديري التشغيل ذوي الخبرة الاقليمية او الدولية وكذلك المختصين في انظمة المستندات والانظمة الالكترونية للدورات المستندية والمحاسبية والاحصائية ولتدريب الكوادر الوطنية في التشغيل والادارة للاحلال مكانهم عند ترسيخ انظمة الادارة والتشغيل تماماً كما قمنا به في دولة الكويت.
ثالثاً: اختيار مدرب متخصص له خبرات تدريبية اقليمية اودولية في اعمال محطات الحاويات بما في ذلك مشغلي او سائقي رافعات الحاويات القنطرية وغيرها من المعدات المساعِدة في تداول ونقل وتخزين الحاويات وترسيخ مبادئ السلامة في العمل.
رابعاً : اختيار متخصص له خبرة على المستويين الاقليمي والدولي في مجال تسويق خدمات الميناء ومحطة الحاويات على وجه الخصوص واعداد التقارير الدورية التحليلية والاحصائية لانشطة التسويق للمدير العام ولمجلس الادارة.
الحديث يطول عن مأساة موانئنا البحرية واهمية دورها في خدمة التجارة الخارجية الوطنية والاستفادة من موقعها الفريد كبوابة افريقيا على البحر الاحمر واستخدامها للدولة الافريقية التي ليس لها منفذ بحري كاثيوبيا وتشاد ودولة جنوب السودان بشروط متساوية ومناسبة لكافة الدولة المستخدمة لموانئنا واحتساب الفوائد الاخرى التي تصاحب ذلك من خدمات النقل البري للطرق والسكك الحديدية والفوائد الاخرى العائدة للتجارة والمخلصين وتشغيل العمالة في كل هذه المراحل اما ما يتعلق بميناء سواكن فساكتفي بالتطورات الاخيرة حيث سبق ان تطرقت سابقاً لمقترحات تطويره واقصد بذلك الاخبار التي تتحدث عن قيام دولة اخرى كتركيا وقطر بالعمل على استثمار في ميناء سواكن وليس هناك اختلاف على مساهمة تلك الدولة وغيرها كالصين مثلاً التي قامت بعدة انشاءات في الموانئ السودانية والترحيب بتلك المبادرات الا ان اختيار موقع المشروع او الميناء الذي تود تلك الدول الاستثمار فيه يجب الا يترك لتلك الدول وغيرها لاختيار مكان ونوعية الميناء بل يجب ان يتم ذلك وفقاً للاغراض التي نراها نحن السودانيون وليس المستثمرين وذلك ضمن الاستراتيجية والسياسة العامة للموانئ البحرية السودانية خاصة وان السواحل السودانية والموانئ السودانية ليست لرغبات وسياسات الدول الاخرى لتختار المواقع ونوعية واغراض الميناء في الاراضي والسواحل السودانية ويجب ان لا تتم هذه الامور من خلال وزارة الخارجية وجهات عليا اخرى وانما من خلال هيئة الموانئ البحرية بعد تأهيلها ووزارة النقل بوجه الخصوص كما لا يجب السماح بتلوث مدينة سواكن الاثرية الخلابة خاصة الحياة البحرية بما فيها من الاصداف والحياة البحرية النادرة الوجود على المستوى العالمي وبذلك يجب ان تشمل مشاريع تطوير ميناء سواكن على الخدمات ذات العلاقة بالسياحة البحرية ولسواكن الاثرية بعد ترميمها بالاضافة الى جعل ميناء سواكن من اكبر واحدث موانئ الركاب كميناء العقبة مثلاً الذي يشابه المطارات في بنائه وخدماته للمسافرين والاجراءات الحديثة والمريحة للركاب بالاضافة الى صناعات الصيد وغيرها من الانشطة التي لا تتسبب في تلويث مياه وساحل مدينة سواكن.
النقل النهري .. قصة أخرى:
اما النقل النهري وميناء كوستي فهذا امر آخر ولا اعرف حتى اليوم ما هو دور هيئة النقل النهري وما هي انجازاتها فيما يتعلق بالنقل النهري فتوفير اي ملاحة نهرية او نقل نهري ولو بصورة محدودة حتى بين الخرطوم وامدرمان والخرطوم بحري ناهيك عن المناطق الاخرى وشمال السودان علماً بان النقل المائي بصورة عامة ان كان بحرياً او نهرياً يعتبر اقل تكلفة من كافة انماط النقل الاخرى كما يتطلب اعداد دراسات ومسوحات فنية بواسطة شركات متخصصة عالمياً بهدف ايجاد حلول لموضوع الشلالات تيسر الدرب حتى تستخدم لنقل الاسمنت مثلاً والبضائع والمنتجات الاخرى من شمال السودان وحتى جنوبه اي كان ولا مستحيل تحت الشمس ان صدق العدل ويجب ان انوه باننا ما زلنا نجهل الكثير عن مشاكل النقل النهري في السودان والذي يتطلب الاولوية واهتمام الدولة به لفوائده العديدة ومصر ليست ببعيدة عنا في سبل الاستفادة من النقل النهري لخدمة السياحة ولنقل البضائع والمواد خاصة من ميناء دمياط حتى القاهرة ارجو الاعتذار ان اخطأنا او اسأنا الفهم لجزئية في هذا الموضوع بسبب النقص او تضارب المعلومات او ان اخطأنا في حق مسؤول عمل وسع قدراته اصاب او فشل فهدف مساهمتي المتواضعة في موضوع الموانئ السودانية والنقل النهري هو لفت الانظار لواقعنا البائس من عيون سودانية اعياها وآلمها وضعنا الداخلي بعد حياة عملية لخدمة الدول الاخرى في المنطقة العربية وما وصلوا اليه من تقدم في مجال الموانئ البحرية والنقل البحري عامة فلا اذاقكم الله هذه المرارة ولا اقصد مرارة الخروف.
نداء للمتخصصين للخروج من أزمة الميناء:
وأخيراً أود التأكيد على رغبتي الصادقة في المساهمة بخبراتي السابقة في مجال الموانئ البحرية والنقل البحري عامة في الموقع المناسب الذي يمكنني من تحقيق طفرة سريعة نسبياً خاصة وانني لم اعمل ليوم واحد في السودان وذلك بعقد شهري واحد جنيه قديم في الشهر ولمدة لا تتعدى اثني عشر شهراً وذلك لدى توفر ظروف العمل الصحية في هذا الوطن المأزوم كما اتمنى من كل المتخصصين والخبراء السودانيين في الوطن والعاملين في المنظمات الدولية والمؤسسات الاخرى وهم كثر المساهمة كل في اختصاصه بذات الشروط ان امكن ذلك رحمة بمواطننا الحبيب المأزوم ولكم التحية من خارج السودان .
محمود إدريس الحبر
مستشار متفرغ في مجال الموانئ البحرية والنقل البحري
** دول منطقة الاسكوا تشمل لبنان سوريا العراق الأردن السعودية الكويت الامارات العربية المتحدة قطر عمان البحرين اليمن جمهورية مصر العربية ولاحقاً السودان.
محمود إدريس الحبر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.