ثلاثة شباب تخرجوا من كلية واحدة ، وبدرجات علمية متقاربة ، اثنان منهم ينتميان إلى حزب سياسي مهيمن على الوظائف ، وواحد من الاثنان ينتمي إلى أسرة مهيمنة اجتماعيا على الوظائف العليا والمهمة في الدولة ، لذا تم توظيفه في السلك الدبلوماسي ، يتقاضى راتبا يتجاوز الخمسة الف دولار ، الشاب الاخر تم قبوله اداريا في إحدى المؤسسات براتب لا يقل عما يعادل مئتي دولارا . الشاب الأخير الذي لا ينتمي إلى اي تنظيم سياسي و أسرته أسرة متواضعة من خارج الخرطوم ، لم يستطيع الحصول على اي وظيفة ، فإختار أن يكون معلما في قريته ، وراتبه لا يتجاوز ال 50 دولارا . لم يكن التحصيل الأكاديمي ولا المهارة أو الإبداع فيصلا في تحديد مصير الشباب الثلاثة . إنما عوامل أخرى ليس لها علاقة بمواصفات طالب الوظيفة تداخلت لتحدد موقع ايا منهم . و الوظيفة الأكبر ذات الراتب الدولاري ، شرط الحصول عليها كان الانتماء الأجتماعي الذي ليس متاحا لأي منهم اختياره ، لأنه يشب و يجد نفسه في مجتمع معين . و الشرط الثاني هو الانتماء إلى حزب سياسي محدد و هذا غير متاح للجميع و حتى أن كان متاحا فليس للجميع اهتمامات سياسية . هل نستطيع أن نقول أن هؤلاء الشباب نالوا فرصا متساوية ؟؟ . بالتأكيد لا ، لأن هناك عوامل أخرى تداخلت في تحديد وجهة أيا منهم ، ولكن ليس للتحصيل الأكاديمي أو المهارات نصيبا كبيرا فيها ، إنما لعوامل أخرى ليست بأيديهم على الأقل في وقتها . هل بإمكاننا تغيير طرق تحديد الرواتب و قيمة أجر الموظف ؟ ، فبدلا أن تكون قيمة الاجور مختلفة من مؤسسة لأخرى أو من وظيفة لوظيفة أخرى ، يتم تحديد هذه القيمة وفقا للدرجة الوظيفية . بمعنى أن يكون راتب الطبيب في مدخل الخدمة هو نفسه راتب المعلم و الضابط الإداري و موظف الأرصاد الجوي في نفس الدرجة الوظيفية . و راتب موظف الصحة في الدرجة الخامسة هو نفسه راتب المحاسب و موظف السلك الدبلوماسي في نفس الدرجة . ولأن التفاوت سنة من سنن الحياة ، يكون التحفيز بحسب الإبداع و التطوير الذي يحدثه الموظف في مؤسسته التي يعمل بها ، على أن يكون الوصف الوظيفي واضحا و محددا ، و كذلك التطوير و الإبداع المطلوب إنجازه من الموظف . بهذه الطريقة سيتحقق تطوير ملحوظ في البلاد ، لأن كل شخص سيختار الوظيفة التي يحبها و يمكنه الإبداع فيها بدلا عن اختيار وظيفة حسب رغبة أهله بسبب الراتب العالي أو الوجاهة الاجتماعية .. الحافز و الوجاهة وقتها يكون فقط وفقا للإبداع و التطور الذي تنجزه . حينها سنجد طالبا يحرز 95% و يختار دراسة التربية ليكون معلما مبدعا يطور لنا العملية التعليمية ، بدلا أن يحقق رغبة أهله بالالتحاق بكلية الطب أو الهندسة . ايضا بهذه الطريقة نستطيع إزالة الغبائن ممن تدفعهم الظروف للعمل إلى وظائف محددة ذات عائد مادي ضعيف مقارنة بوظائف أخرى . نحتاج إلى ابتكار طرق جديدة تدفع الشباب إلى دراسة ما يحبونه و يمهرون فيه بدلا عن حشد كل الطلاب الأذكياء في كليات معينة . كما نحتاج إلى طرق إبداعية لتحديد قيمة أتعاب و اجور العاملين في الدولة ليتساوى الجميع بدلا أن ينال موظف في السلك الدبلوماسي مائة ضعف من راتب المعلم في نفس درجته الوظيفية و ربما يكون أكثر مهارة و إبداعا منه .