بشفافية ما تكتبش يا حسين حيدر المكاشفي قال الأستاذ حسين خوجلي صاحب «الوان» التي لم نفتأ طوال فترة تغييبها نردد بأنها عائدة وراجحة، «إن أخطر ما في مشروع الجزيرة أن الكتابة حوله أو عدم الكتابة أصبحت لا تفيد، فأبحثوا عن سلاح غير القلم ومداد غير الحبر وشكوى لغير هؤلاء»... إنتهى كلام حسين، ولم ولن تنتهي قناعتي بأن أقوال بعض الصحافيين والكتّاب الصحافيين أقيم وأدسم وأحكم من كثير من الهراء والغثاء الذي ظل كثير من السياسيين «يهروننا» به، فلماذا والحال هكذا لا يكون الصحافيون أنفسهم من أهم مصادر الصحافة «زيتهم في بيتهم» بدلاً من أن «يطلع زيتهم» في سبيل الحصول على إفادة أو تصريح لا يطلق سراح معلومة مفيدة ولن يشفى صدر اعلامي ولو كان مخبراً صغير السن قصير التجربة قليل الحيلة.. ومن سداد كلمة حسين عندي هو أنها إذا صلحت وصدقت على حال مشروع الجزيرة، فإنها بالضرورة أصلح وأصدق على حال القضية الفلسطينية التي إن كتبت عنها أو لم تكتب فالأمر سيان بل الافضل أن لا تكتب حتى لا تكون الكتابة مجرد «تنفيث» للغضب الذي لن يفيد القضية في شيء إن لم يكن من عوامل وأسباب «تنفيسها»، فتحافظ على صحتك بينما تساهم في تدهور «حالة» القضية، الأفضل من ذلك هو البحث عن سلاح غير القلم ومداد غير الحبر وشكوى لغير هؤلاء، فقد ظللنا نكتب ونكتب ونكتب حتى أضحت كتابتنا من المحيط إلى الخليج ومن طنجة إلى جاكارتا ومن النهر إلى البحر مكرورة ومتطابقة لا فرق بين ما يكتبه هيكل وما يدونه أي متدرب في أحدث صحيفة عربية، كما ظللنا نشكو ونشكو ونشكو لذات من لم ولن نجد البرؤ عندهم، فلماذا إذن نكتب ولمن نشكو وما هو البديل، أنا لا أعرف بالضبط ما هو، ما كنهه وآلياته ووسائله وطرائقه، ولكن الذي أعرفه هو أنه لا بد أن يكون بديلاً للكتابة والشكوى والتظاهر وقرض الشعر والقاء خطب الحماسة، بديلاً ينقلنا ولو مرة واحدة الى خانة المشكو ضدهم بدلاً من خانة الشاكين وكتبة العرائض التي أدمنا التسمر فيها، فكثرة الشكوى دالة ضعف ومن يهن يسهل الهوان عليه... ولهذا لم أكتب عن الهجمة الاسرائيلية البربرية على أسطول الحرية، كما لن اكتب اليوم عن تربصها بسفينة الاغاثة وفك الحصار «راشيل كوري» التي ربما ينقضون عليها تحت أي لحظة، بل أكتب عن راشيل نفسها «ست الاسم» هذه الاميركية الشابة الجسورة التي حملت السفينة الايرلندية إسمها تيمناً بموقفها الشجاع وإحياءً لذكراها، عسى أن يكون في تذكرها ما يعين على استنباط «موقف» آخر غير الوقوف على الاطلال والاشلاء ثم النواح عليها، فراشيل التي لم يتعد عمرها الاربعة وعشرين ربيعا حين دهمتها ودهستها عن قصد ومع سبق الاصرار والترصد جرافة عسكرية اسرائيلية من ماركة «كاتربلر»، كانت قد قطعت دراستها الجامعية في جامعة أفير جرين بعد إنضمامها لحركة التضامن العالمي من أجل النضال السلمي ضد عمليات الجيش الاسرائيلي التي كانت تجرف كل ما تجده أمامها من بشر وحجر، وغادرت إلى رفح وأقامت مع أسرة طبيب فلسطيني يدعى نصر الله، وظلت تغدو وتروح في نشاط وهمة لا يهمها شيء سوى إهتمامها بالقضية الانسانية التي إنتدبت نفسها واوقفتها لها، إلى أن تفاجأت ذات يوم بالجرافة العسكرية وهي تكشر أنيابها لهدم المنزل الذي آواها، فاعترضت سبيلها ووقفت بينها وبين المنزل في محاولة لاختبار انسانية ذاك الجرّاف الوحش، الذي أثبت أنه لا يمت للجنس البشري بصلة فماتت راشيل وتهشمت عظامها تحت عجلات الجرافة وجنازيرها... تلك كانت قصة راشيل التي لو كانت مثلنا لاكتفت بالجلوس على منضدة أنيقة داخل مكتبة الجامعة لكتابة مقال صحفي وبيدها الاخرى ساندوتش «هوت دوق» تقضم منه بين الحين والآخر، ولو فعلت ذلك لكفاها، فما بالنا نحن نكتفي بالخطابة والكتابة والهتاف. الصحافة