هناك فرق ابتكروا يرحمكم الله ..! منى أبو زيد (.. لا شيء في برمجة الفضائيات السودانية للشهر الفضيل سوى الغناء، كل المواقيت المهمة، والموازنات، وعلى كل القنوات، خصصت للمطربين والمطربات . أما مرجِع هذا الطوفان الغنائي فلا يبدو أن له علاقة بحيوية يشهدها الوسط الغنائي في الوقت الراهن، أو بطلب جماهيري، أو خطة وقف خلفها اتحاد الفنانين مثلاً، أو أي شيء من هذا القبيل، لا .. الأرجح أن مرجِعه هو \"المحاكاة\" ..) ! كان هذا هو نص فاتحة تقرير الزميل عصام أبو القاسم، عن الفضائيات السودانية في رمضان، والذي نشر بصحيفة الحياة، في عددها الصادر يوم السبت الماضي .. ومع أنه تقرير يوجع قلب كل ذي غيرة على صورة بلده وشعبه في أذهان الآخرين .. إلا أننا لا نملك سوى أن نقول بأن الرجل قد التزم الحياد الصحفي المطلوب وإن أوجعنا..! تخيل نفسك مكان القارئ العربي – أي قارئ – فكرته عن السودان أنه دولة الصدامية السياسية التي تحدّت مذكرة أوكامبو .. وأنه بلد أسلمة المواجهات السياسية وإن مع أمريكا نفسها .. تخيل أنك تقرأ عن برامج في السودان الذي تُدبّج فيه الخطب، وتُنظَّم المسيرات الهادرة للتنديد بجرائم العدو الصهيوني ولإعلان التضامن مع فلسطين ولبنان وأطفال العراق .. هل هذا هو سودان المشروع الحضاري الذي بدأ عزلته السياسية يومًا بقطيعة عربية/عربية، بسبب رفض حكومته وجود قوات أمريكية على أرض الحرمين ..؟! إن كنتَ قارئاً عربياً مطلعًا على معاملات البنوك في العالم العربي، وقراتَ مثل هذا التقرير، فإن الدهشة ستملؤك وأنت تقارن بين أبواب المعاملات الربوية المفتوحة على مصاريعها حينًا، والمواربة أحيانًا في بلاد عربية وإسلامية - أقل التزامًا بتطبيق الشريعة وأكثر انفتاحًا على الآخر .. ومع ذلك فتلفزتها في رمضان تكاد تقاطع الرقص والغناء – وبين معاملات البنوك السودانية التي تضيق الخناق على أي شبهة ربا ..؟! هل هذا هو السودان حقًا ؟! .. هل هذا هو ذوق الشعب السوداني .. هل هذه هي عقيدته التلفزيونية في رمضان ؟! .. أم إن الآخر (المنافس وليس المشاهد) هو لعنة التلفزة في مجتمعنا ؟! .. أو لعلها لعنة المحاكاة وإعادة إنتاج نجاحات الآخرين هي التي قادتنا إلى هذا التصنيف المُزري بين فضائيات المسلمين في رمضان ..؟! الناس يتفكّرون في كتاب الله .. ويبرزون الوجوه الشرعية في شتى معاملات المسلمين عبر برامج هادفة .. بل يجتهدون في صنع الحبكات الدرامية الشيّقة لجذب المشاهد في رمضان .. وذلك أضعف الإيمان .. ونحن نرفع شعار جلسات الطرب والسمر في أوقات ذورة المشاهدة وعلى مدار الساعة .. بل ونشرع في بث الغناء قبل أن يذهب ظمأ المشاهدين وقبل أن تبتل العروق .. ثم نطلب بعد ذلك أن يثبت الأجر ..؟! ألم تعد هنالك فضائية سودانية واحدة تمتلك عقيدة فنية خاصة بها في رمضان ؟! .. الكل يريد أن يغني .. بينما يكون الذين يغنون ويطربون طوال العام، ويدخلون إلى جحور بياتهم في رمضان احترامًا لخصوصية أجواء هذا الشهر الاستثنائي، والوحيد في فضله .. تنتفض القنوات السودانية وتتحزّم وتتلزّم وتهتز وتتمايل وتعرض ..! هذه الفضيحة الرمضانية .. هذه السقطة الفنية الموسمية .. أثبتت أننا شعب ضالته الابتكار والتجديد .. وآفته محاكاة الموجود وتقليد الجاهز.. وإن كان ذلك على حساب الهُوية الفنية للإغلبية الصامتة ..! التيار