رأي استراتيجية دارفور والفرائض الوطنية الخمس محمد عيسي عليو كان بودي أن أفيد قرائي الكرام بآخر التطورات الخاصة بمفاوضات الدوحة، خاصة بعد وصولنا لقطر في بداية شهر اكتوبر، ولم يحبسني حابس سوى شح المتوفر لا سيما الايجابي منها، ولكن الآن يبدو أن الرؤية بدأت تتضح رويدا رويدا، بعد أن عكفت اللجان المشتركة بين الحكومة ووفد حركة التحرير والعدالة تحت رئاسة الوساطة الأممية والتي يمثلها الجنرال جبريل باسولى وقيادة الدولة الشقيقة قطر والتي يمثلها السيد أحمد عبدالله آل محمود، صحيح أن هناك اجتماعات قد تمت منذ بداية هذا العام، ولكن هناك قضايا بعضها لم يبت فيها وبعضها لم يتفق حولها، لذلك جاءت مهمة اللجان الأخيرة، ورغم ذلك هناك أمور معلقة لم تتفق اللجان حولها، وهي لم تكن بالكثيرة، وعلى حسب منهجية التفاوض فإن هناك لجنة مشتركة مكونة من رئاسة وفدى الحكومة وحركة التحرير والعدالة برعاية الوسيط المشترك ستنظر في إمكانية ايجاد صيغة مشتركة، وفي الأخير إن لم توجد لها حلول، فالأمر في نهاية المطاف سيكون في يد الوسيط، والذي سيخرج بوثيقة يراعى فيها جميع أوجه الاتفاق والاختلاف، لا سيما أن الوسيط قد تشبع بثقافة القضية، من خلال سابق التفاوض ومن خلال سير التشاور سواء على النطاق الجمعي أو الفردي، لا شك إذا لم يتفق الطرفان فإن الوثيقة التي ستخرج لا ترضي أي من الطرفين، وإذا ما تتبعنا سير التاريخ الخاصة بالتفاوضات بين الجهات المتحاربة لن نجد هناك توافقاً وتطابقاً خلال مرحلة التفاوض، وإلا لما سالت الدماء بينهما كما أن الحكمة القائلة أكلما يتمناه المرء يدركه ؟ يجب أن تكون نصب أعين الفريقين، وقطعا ستعرف هذه الوثيقة مرة أخرى للمجتمع المدني الدارفوري إلا أن الشيء الذي بدا واضحا أن الحكومة ضاقت ذرعا بطول مدة التفاوض مع الحركات المسلحة الدارفورية، وذلك من خلال حديث رئيس ملف دارفور ومستشار رئيس الجمهورية د/غازي صلاح الدين الذي ذكر في مؤتمره الصحفي الخميس الماضي 21 اكتوبر 2010 في فندق شيراتون بالدوحة أن الحكومة بدأت تفاوض الحركات المسلحة منذ عام 2003، سبع سنين وهي تتفاوض وأكد في حديثه أن نهاية هذا العام هو نهاية ملف التفاوض حول دارفور، وأكد ذلك حتى لا يجعل مجالا للشك في تمديد التفاوض، وعندما سئل وماذا تفعل الحكومة إذا لم يكن هناك توقيع، قال نركز على تطبيق برنامج الاستراتيجية الذي أمن عليه المجتمع الوطني والدارفوري والمجتمع الإقليمي والدولي وحدد مرتكزات الاستراتيجية في المحاور التالية، الأمن، التنمية، إعادة التوطين، المصالحة، المفاوضات، طبعا أي متابع لقضية دارفور يتأكد له تماما أن المدة قد طالت فعلا، ولقد دفع مجتمع دارفور بأثره ثمنا باهظا بسبب هذا التطويل، ولازالت عملية التقويم ومن ثم التجريم جار لمعرفة من هو وراء هذا التطويل؟ هل الحكومة لم تكن جادة في التفاوض وإنما كانت تراوغ؟ أم هل الحركات عندما قامت لم تكن لها قضية مشتركة، ولذلك لم تعتمد على التوحيد فتفرقت أيدي سبأ، بل وصل الأمر لتقاتل بعضهما بعضا، حتى أصبحت شظايا يصعب جمعها مرة أخرى في بوتقة واحدة بذلك أصبحت سببا في تطويل التفاوض؟!أم أن المجتمع الإقليمي والدولي وجد ضالته في دارفور وأصبحت سوقاً رائجاً لتسويق بضاعته، لذلك هو من وراء التطويل ؟ أم أن مجتمع دارفور المدني والقبلي لهشاشته تصدع هو الآخر وأضحى وقوداً لنار سريعة الاشتعال للقضية برمتها .. أو غير ذلك من الأسباب، فالتجربة لا زالت ماثلة أمامنا، ولكن لابد من تقييمها والحكم عليها ولو بعد حين، ولكن الآن وكما يقول المثل، الصلاة على الميت الحاضر، لاسيما إذا كان الميت كان في حياته فتنة تمشى برجلين بين الناس كقضية دارفور قتلت الأنفس وأحرقت الزرع وجففت الضرع، وربنا يجازي الكان السبب ! فميت مثل هذا لابد من السرعة في الصلاة عليه ودفنه ، بل والتعوذ من أفعاله . نعود لرد د/ غازي وتركيزه على المحاور الخمسة، وأعتقد أن هذه النقاط من أوجب واجبات الحكم سواء كان هناك تفاوض أم لم يكن، فالأمن ضرورة من ضروريات الحكم ومسئولية الحاكم، فالله سبحانه وتعالى ذكر في محكم التنزيل ، حيث قال (أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) وسيدنا عمر بن الخطاب يكرر ونحن نردد من بعده لو بغلة بالعراق عثرت لظننت أني مسؤول عنها ، فالأمن ركن أساسي لأهل دارفور، وبالمصادفة أركان الإسلام خمسة وأركان الحكومة في دارفور خمسة، وإذا كانت شهادة لا إله إلا الله أهم أركان الإسلام الخمسة، فإن الأمن أهم أركان استراتيجية الحكومة في دارفور، ثم تأتي التنمية وهذه لا تحتاج إلى درس محو أمية، فقد ظل أبناء دارفور وأبناء السودان المخلصين الآخرين يقولون ويكتبون أن التنمية مفتاح السلام في دارفور أصبح عنواناً لكتاب قيم كتبه بعض الأساتذة الجامعيين من أبناء دارفور فهذا فرض وطني آخر يجب أن تجعله الحكومة نصب عينها وحتى لا نجعل دارفور تخرج من الباب الذي خرج منه الجنوب . ولقد لاحظت تباشير هذه التنمية بدأت تظهر خاصة فيما يتعلق بالطرق الأمر الذي سيستفيد منه السودانيون جلهم أكثر من السودانيين الدارفوريين، ومعلوم الخيرات الدارفورية التي تنقلها هذه الطرق إلى بقية ولايات السودان ، كما أن إعادة التوطين هي الفرض الوطنى الثالث، فالحالة الإنسانية التي خلفتها حرب دارفور، لا أظن أنها حصلت في أية بقعة من حولنا ، بل أصبحت حرجاً وطنياً عندما تنقل الفضائيات مناظر المعسكرات في دارفور، فالتركيز على تصفية هذه المعسكرات بطريقة عادلة وحضارية وثورية، وذات ضمانات أن لاتتكرر على المواطنين حوادث مماثلة لما سبق، هذا التركيز يعتبر من الضروريات، أما المصالحات فهي تحصيل حاصل إذا ما نفذنا الفرائض الوطنية الثلاث السالفة الذكر فالمصالحات ليست بالطامة الكبرى، إذا ما حصل ضبط أمني والضبط الأمني أولى أولوياته نزع السلاح وليس جمع السلاح وإنما نزعه بالقوة من كافة القبائل مع ضمانات حمايتهم. هذا يوفر للقبائل أسباب التصالح ، فقط على الحكومة تنفيذ مقررات الصلح . أما الفرض الوطني الخامس وهو ما استطاع إليه سبيلاً ، وهذا ما قاله د/غازي في أن مدة التفاوض طالت لسبع سنين وهذا يعني ربما هناك نهاية بالاستطاعة ، وهنا لا أفيض كثيراً فقد ناشدنا الحركات المسلحة أن تعالوا إلى كلمة سواء وناشدنا الحكومة أن أعطوا أهل دارفور مطالبهم التاريخية المشروعة ، وقلنا إن السلام اسم من أسماء الله الحسنى، والله سبحانه وتعالى قال .. والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .. صدق الله العظيم ، ولذلك إذا كان أي من الطرفين ، الحكومة أو الحركات يستهزئ بالسلام ولم يكونوا جادين في قرارة نفوسهم ، فإن الله يستهزئ بهم وهم لايعلمون، وإلى حين توقيع اتفاق سلام نهائي في أي وقت نرجو أن تذهب الحكومة في الفرائض الوطنية الخمس من دارفور بعيدا ومن يدرى ربما لا تجد حركة مسلحة في دارفور، فقد تنتفى أسباب الصراع . وأهم من ذلك كله إقامة العدل ، فالعدل أساس الحكم. الصحافة