( صواع الملك) الذئاب والرّخم وبُغاث الطير! فيصل عبد اللطيف [email protected] لماذا أوصلنا الوطن هذا الحد ؟ الحد الذي تتقطع فيه أوصاله، وينشط الطامعون، ويتفرج المتفرجون، ويسعى المتربصون والمتطلعون للتوسع ينهمكون ، وأجزاء هنا وهناك مرشحة للاقتطاع .. والخائفون من ( عدوى السودان ) يحصنون بلدانهم بهوامش تمنع عنهم فيروس الانفصال والتمزق .... بلدنا تناور حوله الذئاب، ويحوم فوقه الرخم. حتى بُغاث الطير له مطامع!! ونحن حالة بين خمس حالات : مزايدون حول الوحدة يبيعوننا أحلاماً، متبرعون ب ( أفكار وحدوية ) فات زمانها، داعون للانفصال يترقبون ما يظنونه فجراً جديداً، محبطون يقضمون أظفارهم، وتائهون في ملكوت المرح لا يعنيهم من الأمر شيء. ويتداول الإعلام ما يقال إنه تقارير بثها موقع استخباراتي إسرائيلي عن (( وجود نشاط وتعاون محموم بين أجهزة المخابرات الأمريكية والإسرائيلية والفرنسية، لتنفيذ مخطط يهدف إلى تقسيم السودان إلى ثلاث دويلات، (دولة السودان الإسلامية، ودولة دارفور، ودولة في الجنوب)، وأن أجهزة المخابرات الثلاث تعمل حاليا على تفكيك السلطة المركزية عبر عملاء داخليين وحركات متمرد)) . مضمون هذا التقرير ليس جديداً، فهو معروف منذ سبعينيات القرن الماضي.. ويتم تحقيقه ب ( مهلة) وأحياناً بعجلة وبحروب. والدوائر والقوى العالمية إنما تعمل لتحقيق ما ترى أنه ( مصالحها) بالوسائل التي تراها مناسبة.. والسياسة الدولية وجهات نظر، وتتم قراءة كل موقف باستبطان عوامل وعناصر ومتغيرات. وعندما تقرع أسماعنا عبارة ( تقسيم السودان)، أو تفكيكه، بالطبع نرفضها، ونتمنى ، وندعو الله ألا يحدث مكروه للوطن العزيز .. ولكن الله غالب .. والمنهج الرباني الذي استخلف على أساسه الإنسان لإعمار الأرض يقوم على الأسباب.. أي مدخلات تؤدي إلى نتائج.. فكل مجريات أحوال العالم، وتقلبات الناس بين الخير والشر، والنعم والنقم، الهدوء والاضطراب، مرتبطة بأسباب، وأعمال يقترفها البشر فتفضي إلى واقع .. أسلوب التعاطي مع المحيط .. وفي الشأن العام ، أي السياسة، وطريقة تعامل الحكومات مع الشعوب .. إذا كان مضمون التقرير المتداول قد وقع أو كاد يحدث فذلك بناء على معطيات لنا اليد الطولى فيها.. ببساطة شديدة لنسأل أنفسنا لم يتكالب الطامعون ؟ الإجابة المنطقية : لضعف فينا ، ولتشتتنا، وشيوع الجهوية، وانتشار ( ثقافة الانفصال) في صورة طرائف يتبادلها الناس اليوم. وإذا أصبحت الأزمات والقضايا المصيرية نكات فتلك ذروة المأساة. ما يحدث في السودان وما نعيشه من مأساة ترقب النهايات المحزنة هو مصداق للآية الكريمة (( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) .. وليس بالضرورة المعني بتغيير ما بالنفس (الإيمان التقليدي بدرجاته) ... فمقصود الآية أبعد وأعمق ، وفق التصوير القرآني لأحوال الناس في كل زمان وكل مكان. فهو يعنى بالإنسان عموماً . وتغيير ما بقوم، عبارة شاملة للأحوال كلها.. السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والمقصود أكثر في هذا الخطاب القرآني هو ما يلي السياسة، لأن السياسة مفتاح كل تغيير. إن التغيير الذي طال أمماً، وهو تغيير إلى الأفضل، وراءه أسباب موضوعية في مقدمتها السياسات الراشدة التي تقيم اقتصادات متينة، ومجتمعات تركن إلى ضمانات ليومها وغدها، فتعزز الروابط. على الجانب الآخر، ما الذي حدث عندنا؟ بالطبع حدث تغيير اقتصادي واجتماعي ( فيه أقوال كثيرة)، ولكن أهم تغيير هو إعلاء الصرح، أو المنصة التي ينطلق منها الحديث المتداول الآن عن تفكيك السودان وتقسيمه، والأطماع حوله لتجزئة المقسم. بأي حال لا يمكن أن نقارن بين أي إنجاز، مهما كان حجمه، وبين العوامل التي توفرت، والمثبطات التي صُنعت صناعة، خلال نحو عقدين، ورجحت مضمون ذلك التقرير الاستخباراتي . بالرجوع إلى ( آية التغيير ) في القرآن الكريم، إن ما يحدث في السودان وللسودان هو بأيدينا، و لا شأن للآخر به ، لأنه نتيجة لمعطيات محلية لم نتعامل معها سياسياً بحصافة، بل أسهم البعض في تأجيجها بالعهنجية، أو بالإدارة غيرة الرشيدة للأزمات المتفجرة .. والآن يحاولون لملمة الأمور بأي صورة وأي شكل، حتى الاعتراف بما كانوا يعدونه كفراً بواحاً وعلمانية معادية، أو تقويضاً للمشروع، مثل القبول برئيس غير مسلم، أو العودة تحت التاج المصري. وكل ذلك لإشراك الذين أقصوهم من قبل ، أو بعضهم، ليتشاطروا مسؤولية اللحظة التاريخية والمستقبل ! فهل ينتظر هؤلاء أكثر من السؤال التوبيخي الاستنكاري الذي خاطب به الله سبحانه وتعالى فرعون وهو يعلن، لحظة الغرق وإطباق الموج عليه، إسلامه وإيمانه برب موسى وهارون، ويوافق على خروج بني إسرائيل : \"آَلْآَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ\". ؟ إن الدوائر التي نتهمها بالعمل على تمزيق السودان، أو تلك الضالعة عملياً، هي تقتنص الفرص و ( تستثمرها)، وبحسابات السياسة ذلك عمل مشروع من وجهة نظرها .. وفي المثل : (( الفطيسة تجيب الرخم)) . ونظرية المؤامرة إذا كانت موجودة فهي لا تتم إلا بتوافر العوامل الداخلية لنجاحها. وللأسف الشديد نحن وفرنا كل العوامل .. وليس للذئاب، وللرخم وبغاث الطير، إلا أن يقتسموا.. ويضربوا القداح !! (الأخبار) [email protected]