تحت (شعار دستور السودان -التقدم المحرز- التحدي والتطلعات)، نظمت الهيئة القومية للبرلمانيات السودانيات ندوة علمية حول وضع المرأة في الدستور والنظام الامثل للحكم بتشريف ورعاية الأستاذة سامية أحمد محمد، نائبة رئيس المجلس الوطني، وبمشاركة عدد من الخبراء والخبيرات والمختصين والمختصات في يوم الخميس 82 أبريل بالقاعة الخضراء في المجلس الوطني. انتباه الهيئة القومية للبرلمانيات السودانيات الى اهمية الحوار حول الدستور القادم ودعوتهن لكافة ألوان الطيف النسائي للمشاركة كان يمكن ان يكون أمراً مبشراً بانفتاح حقيقي تقتضيه المرحلة القادمة لو ان الاخوات المنظمات للندوة بسطن الزمن للمشاركات من غير منتسبات المؤتمر الوطني لاعداد أوراق أو حتى إتاحة زمن كافٍ للنقاش حول نقاط محددة؛ لان وضع المرأة في الدستور يتم من خلال محاور عديدة كل محور يحتاج الى ندوة علمية هادئة ورصينة يفتح فيها المجال العلمي بكل ما تعني كلمة علمي من منهجية صارمة تؤدي الى نتائج مقنعة ومقبولة تتفق مع النوايا الوطنية التي تتعشم في الوصول الى توافق وتسوية ترضي الجميع. هذا من جهة، ومن جهة أخرى كنت أعتقد وما زلت أن السودانيات طوال فترة الدولة الوطنية قد حققن حضوراً معتبراً في كافة المحافل، الاكاديمية، الاجتماعية، والسياسية يؤهلن -هذا الحضور- الى تجاوز مناقشة وضعهن في الدستور الى مناقشة دورهن في وضع الدستور القادم، وهن مؤهلات بما يكفي لفرض رؤيتهن حول الدستور شكلاً وموضوعاً، وهناك ضرورة عملية طالما ان السودانيات كادحات عاملات مساهمات في الناتج القومي أمهات يرعين النشء ليس بحنانهن فحسب بل بعرق جبينهن أيضاً هذه الضرورة العملية تتيح لهن مقعداً متقدماً في طاولة كتابة الدستور، تبدأ من قولة «بسم الله» والضرورة العملية ليست وحدها الدافع الاساسي لحتمية مشاركة المرأة في كتابة الدستور بل هناك داعي المسؤولية، إذ في كل الدساتير التي كتبتها الشعوب الحرة المؤمنة تبدأ ب «من أجل مسؤوليتنا امام الله، ثم البشر وبإرداتنا» هذه هي الافتتاحية لمعظم دساتير الشعوب الانسانية الحرة والمرأة مثلها مثل الرجل مسؤولة امام الله تصلي وتصوم وتحج الى بيت الله، ثم تقطع يدها اذا سرقت وترجم وتجلد اذا زنت وبموجب هذه المسؤولية الكاملة عليها وبكامل إرادتها ان تتصدى لدور فاعل في كتابة الدستور طالما ان الدستور هو القانون الاساسي الذي ينظم العلاقات والمعاملات في المجتمع. وكل المواد في القانون الاساسي للمرأة فيها شأن وغرض ابتداءً من الفصل الاول الذي يعني بالمبادئ والحقوق الاساسية، مروراً بالفصول التي تتعلق بالمبادئ البنيوية للدولة الى احكام المجلس النيابي الاتحادي وصلاحيات رئيس الجمهورية، الى السلطات التشريعية وحتى تنفيذ القوانين الاتحادية والادارة الاتحادية والقضاء والشؤون المالية، وأيضاً على وجه الخصوص البنود الخاصة بالدفاع والعلم والنشيد، ولا يوجد منطق يحصر المرأة في شؤون الأسرة ومحاكم الاحوال الشخصية إذ بجانب ان المرأة عضو مهم في المجتمع وكونها مسؤولة أمام الله فهي أيضاً متفوقة بحسها الأمني وحرصها الانساني على سلامة المجتمع على الرجال الذين اشاروا عليها «نحن أولو قوة وبأس» فأجابتهم «إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة اهلها أذلة» تفوق رباني سنة الله في خلقه ولن تجد لسنة الله تبديلاً. أيضاً في مسألة أخرى تتعلق بمعنى «القومية» وعلاقتها بالوضع السياسي الاقتصادي للمرأة السودانية ونحن نتجه الى كتابة دستور جديد نجد ان التنظيمات السياسية المحتكرة رئاستها ونفوذها لرجال في حيز جغرافي محدد هو وسط السودان حجبت نساء الريف والاقاليم عن المنافسة وتطوير المواهب ومثلها مثل رجال الاقاليم، عانت المرأة السودانية من سوء استغلال القدرات والموارد، وبالتالي فإن معضلة المرأة السودانية مركبة فهي لا تواجه مجتمعاً موحداً في تركيبته الاجتماعية، بل مجتمعا تحتكر فيه جهات محددة السلطة والمال والاعلام. نساء هذه الجهات المحددة فزن بالمكتسبات والحقوق السياسية، والوظائف العليا في الخدمة المدنية والبعثات الدراسية والتأهل للعمل الدبلوماسي، بينما ظلت المرأة السودانية في اقاليم بعينها بعيدة عن المشاركة لانها من الاساس بعيدة عن فرص التعليم والتأهيل والتدريب والمناصرة والحماية بل أكثر من ذلك كانت المرأة في اقاليم بعينها ضحية للجفاف والتصحر والحروب وانعدام التنمية، فهي التي تجلب الماء وهي التي تبحث عن الوقود «الحطب» وهي التي تعاني من الوحدة والحرمان بعد ان فر الرجال من البيئات التي تفتقر الى أبسط مقومات الحياة. فروا الى ليبيا والسعودية وغيرهما طلباً للحياة الكريمة، أما النساء فمن استطاعت منهن مغادرة القرية لجأت للمدن بلا تعليم ولا حرفة. فنجد نساء شمال كردفان حافظات القرآن يعملن في سوق الناقة وغيرها في بيئة لا تعرف قيمة العمل، مما عرض كرامتهن للامتهان، ونساء دارفور اللائي تم تعريف مأساتهن المركبة بأكبر مأساة انسانية في هذا القرن ونساء الجنوب والشرق وجنوب كردفان والنيل الازرق. إن النساء السودانيات في هذه المناطق يمثلن صورة واضحة المعالم والالوان لدولة المحسوبية واحتكار السلطة والمال. ما نطمع ونرجو من الهيئة البرلمانية «القومية!!» التي ترأسها الاخت سامية سيد أحمد، وكذلك نرجو من الاخت الاستاذة سامية احمد محمد، نائبة رئيس المجلس الوطني، والاخت أميرة الفاضل وزيرة الرعاية الاجتماعية الاتحادية، والاخت عفاف احمد عبد الرحمن وزيرة الرعاية الاجتماعية في ولاية الخرطوم، نرجو منهن ان ينظرن الى حقيقة «قومية» وضع المرأة السودانية في المؤسسات التشريعية والتنفيذية حتى في اطار «الحركة الاسلامية»، ثم بعد ذلك نتحدث عن وضع محاور وأسس للحوار حول تفعيل دور المرأة السودانية اجتماعياً وسياسياً وتمكينها اقتصادياً على امتداد ما تبقى من الرقعة الجغرافية، والتي ما تزال تطمع في امكانية تحقيق العدالة الاجتماعية. أيضاً يحق لنا أن نتساءل عن امكانية قدرة النساء الحزبيات على فرض ارادتهن في المشاركة للاعداد للدستور وقد رأينا أمس في الاخبار استقبال السيد نائب رئيس الجمهورية لوفد مجلس الولايات العائد من زيارة الولايات للتشاور حول الدستور، ولا توجد مع الوفد امرأة واحدة حتى من عضوات مجلس الولايات. نحن مقتنعات بأننا مهمشات وحتى نساء الاحزاب الأخرى من الوسط نفسه مهمشات، المناصرة نريدها لعضوات المؤتمر الوطني من النساء أن يكن فاعلات، طالما بيدهم السلطة والمال لماذا لا يقتسمونها مع النساء؟ إن ما يقعد بمنظمات المجتمع المدني النسائية الناشطات المبادرات بالافكار الوطنية هو شح التمويل لمنظماتهن واحتكار المال، وكل مؤسسات الدولة الاعلامية والاقتصادية لجهات محددة مما يقعد بالفاعلية المجتمعية عن لعب دور في هذه المرحلة المفصلية، ولا تجدي «العزومات» العرضية في اثراء الحوار.