النمر ... النمر... المبادرة الأمريكية و سلام دارفور!! تيسير حسن إدريس [email protected] لقد ظلَّ نظام الإنقاذ الحاكم منذ مجيئه يناصب الولاياتالمتحدةالأمريكية العداء جهرًا بالقول ويقضي حوائجه ومصالحه معها بالكتمان عمليا في السر بعيدًا عن نظر ورقابة الشعب، وهذا التناقض ما بين القول والفعل إستراتيجية إسلامية أقرها فيما يبدو مجلس شورى الجماعة، ومازال هذا النهج الحر بائي قائمًا؛ ويتضح في مجمل سياسات النظام من لحظة ميلاده في ليلٍ حلوك وحتى اليوم ما تزال تشنف أذان شعب السودان في بعض الأحيان نفس الموشحات الجهادية القديمة التي أعلنت في أيامها الأولى عن دنو عذاب أمريكا، كما حاصرت ذاكرة المواطن بفواصل الردح والتصريحات النارية التي تصب سياط عذابها على ظهر السياسة الأمريكية ظاهريا بينما تباركها وتتعاون معها باطنيا لدرجة إرسال رجل الأمن الأول في دولة الرسالية على متن طائرة خاصة محملة بكل ما لذَّ وطابَ من ملفات خطيرة وأسرار عصية ما كان لجهاز الأمن الأمريكي أن يحلم بالحصول عليها ناهيك عن امتلاك وثائقها وملفاتها بكل هذه السهولة واليسر ودونما ثمن يذكر وذاك بفضل التعاون الباطني الإنقاذي الذي قايض أخطر أوراق اللعبة الدولية وملفاتها بوعود أمريكية وردية اتضح في نهاية الأمر أنها كانت سراب بقيعة. إن كلَّ هذا وغيره من السياسات الفهلوية -التي اتبعها النظام الحاكم بغرض خداع الشعب واستدرار العطف والتأييد بذر رمال معاداة أمريكا في عيون البسطاء بينما هو مقتول هواها وغارق في حب الغرب الرأسمالي حتى أذنيه- قد باتت مكشوفة ومعروفة حتى لرعاة الإبل والضان في سهول الغرب والشرق ولا داعي لمواصلة هذا النهج الصبياني في التعاطي مع الشعب وقضاياه المصيرية خاصة إذا ما كانت القضية التي يحاول النظام اليوم استغلالها لتسويق فهلوياته القديمة هي أزمة بحجم أزمة دارفور التي راح ضحيتها حتى الآن ألاف القتلى و ملايين النازحين، وغدَتْ جرحًا غائرًا في خاصرة الوطن ومأساة إنسانية تورق ضمير المجتمع الدولي، فالتلاعب ومحاولة كسب الوقت لتمرير أجندة تنظيمية مشبوه في قضية بهذا الحجم تعتبر خطيئة كبرى في حق الوطن وأبنائه لا تختلف في تفاصيلها عن الجريمة النكراء التي ارْتُكبَتْ في حقِّ أبناء الجنوب وأدَّتْ في نهاية المطاف إلى الانفصال وضياع وحدة الوطن. فمن العجيب والغريب حقا أن يتعامل النظام الحاكم مع السياسات الأمريكية الشريرة التي استهدفت فصل الجنوب ويوافق عليها بينما يصم اليوم أذنيه عن مبادرة لا غبار عليها وافقت بها الفصائل المسلحة غير الموقعة للاستكمال عملية السلام بحجة أنها أمريكية!!.. نعم نحن نعلم أن معظم ما يصدر عن الإدارة الأمريكية من سياسات يقوم على أساس مراعاة المصالح الاقتصادية للدول الرأسمالية والإمبريالية ولكن ليس بالضرورة أن يكون مجمل هذا الأمر شرًا... لذا يجب على النظام الحاكم أن يتعامل مع المبادرة الأمريكية بعقلٍ مفتوحٍ، وصدرٍ رحبٍ، ويبتعد عن لغة الهتاف والشعارات المستهلكة، ويضبط تصريحات قياداته المنفلتة، وينظر إلى ما تمَّ في الدوحة باعتباره خطوة للأمام تحتاج لتوسيع لتشمل جميع حاملي السلاح ويقر في نفس الوقت بفشل منبر الدوحة في استقطاب كافة الحركات المسلحة منذ البداية كحركة جيش تحرير السودان جناح عبد الواحد ، ويعترف بأن اتفاق الدوحة قد عجل بفك ارتباط الحكومة بحركتي جيش تحرير السودان جناح مناوي و أبو القاسم أمام لحاجته الماسة للمناصب التي منحت لهاتين الحركتين بموجب اتفاق (أبوجا) وأنه لم يستطع إقناع حركة العدل والمساواة برئاسة خليل إبراهيم الموجودة في الدوحة بالتوقيع . ومن المسلمات أن عدم توقيع جميع الحركات المسلحة على وثيقة سلام الدوحة لن يجلب سلامًا دائمًا وشاملاً لدارفور، وعلى الحكومة أن تحتكم لصوت العقل وتتعامل ايجابيا مع المبادرة الأمريكية أملا في استكمال عملية السلام وقطع الطريق أمام أي تصعيد في الموقف الأمريكي الشيء الذي قد يقود المجتمع الدولي لاتخاذ ما لا يحمد عقباه من قرارات، وتجد الحكومة نفسها مضطرة في النهاية للإذعان والانبطاح أمامها بشروط أسوأ من المتاحة حاليا، لذا يجب على النظام الحاكم أن يتعامل بالحكمة اللازمة في هذه المرحلة الحساسة وينسى المكابرة وخطاب المواجهة الكاذب مع أمريكا والمجتمع الدولي الذي ما عاد مقنعا لأحد ولا يسمن ولا يغني جوع من هم في معسكرات النزوح والشتات من أهل دارفور. إذن لا منطق يدعم رفض الحكومة للمبادرة الأمريكية ما دامت ترمي إلى إلحاق بقية الفصائل المسلحة غير الموقعة على اتفاق الدوحة بقطار السلام، وحفظ ما تبقى من الوطن موحدا، وتجربة شعب السودان مع هذا النظام لا تدعو للثقة والاطمئنان لحسن تدبيره إذ أنه عادة ما يكابر ويرفض الحلول المنطقية والمعقولة حتى يتأزم الوضع الداخلي تماما ويتدخل المجتمع الدولي وتشتد عليه الضغوط الخارجية وحينها فقط يرضخ ويقيل حل الأزمة بشروط أدنى بكثير من التي رفضها من قبل!! وقضية انفصال الجنوب التي ما زالت طازجة في الذاكرة الوطنية خير دليل على هذا النهج السياسي الفطير، وعظة وعبرة كافية لمن يعتبر. تيسير حسن إدريس 16/08/2011م